انتصر الدم الفلسطيني على جلاده وسُمعت آهات الأمهات الثكلى وعذابات شعبنا في أروقة الجنائية الدولية بعد عام على الإبادة، مذكرات اعتقال كانت بمثابة خطوة نحو نُصرة شعب عاش ولا يزال أبشع عملية تطهيرٍ عرقي على يد أشرس متطرفي هذا العصر، وللإحاطة بآخر المستجدات، حاورت الإعلامية مريم سليمان في حلقة خاصة عبر الإنترنت على قناة "فلسطيننا" المحلل السياسي والباحث القانوني السيد نعمان العابد، الذي قدم رؤيته حول أهمية خطوة المحكمة الجنائية، قائلاً: بعد كل هذا الاحتلال والإجرام الذي تمارسه إسرائيل وعصاباتها الصهيونية قبل عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين من إمعان بالإجرام والقتل والترهيبٍ والاستيطان وسرقة الحق من أصحابه، وصولاً إلى الإبادة الجماعية في قطاع غزة بحق شعبنا الصامد والصابر، اتخذت المحكمة الجنائية قرارها رغم أنها متأخرة وطالبنا بها بشكل مُلح منذ وقت طويل، لأن الصورة كانت واضحة ولا تحتاج لجهد كبير لاثباتها، فالجريمة بحق شعبنا هي الأخطر والأشد إجرامًا في القانون وفقًا للقانون الدولي، وللمحكمة ولميثاق روما أيضًا.

وتطرق العابد إلى قرار الجنائية الدولية، موضحًا أن قرار المحكمة قرارًا تاريخيًا، ولكن كان واجبًا على المحكمة أنَّ تشمل في قرارها أكثر من قادة للاحتلال المشاركين في العدوان والإبادة الجماعية، ورجح العابد إلى أنَّ المحكمة قد تكون كما أصدرت مذكرات علنية تبلغ بها المشتكين، هناك مذكرات سرية أيضًا تحتفظ بها، وهذا ما يخشاه الاحتلال، ومن المعلوم أنَّ الفريق القانوني الذي تقدم نيابةً عن ضحايا العدوان في غرة، قدم أكثر من خمسة عشر مسؤولاً من دولة الاحتلال للمحاكمة، وهذا جزء بسيط من إنصاف ضحايا شعبنا، وهو قرار منصف من المحكمة ومهم ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل لضحايا العنف في العالم والحروب التي تمارس، وما مارسته الولايات المتحدة المساندة للاحتلال.

وحول تقدم المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان للمحكمة الجنائية الدولية والدائرة التمهيدية وحثهم لمرات عدة، أوضح العابد أنَّ هناك ضغوط فعليَّة مورست على خان شخصيًا وعلى باقي قضاة المحكمة، وهناك مطالبات أميركية من قبل الكونغرس الأميركي الجديد ومن قبل زعيم ما يسمى بالأغلبية في الكونغرس بمعاقبة المحكمة وقضاتها، والمدعية العامة السابقة أيضًا تعرضت لضغوط، ولكن في النهاية امتثلت هذه المحكمة إلى الحق والحقيقة، رغم اتهام كيان الاحتلال بعض القضاة بالانحياز إلى الموقف الفلسطيني.

وشدد العابد على أنَّ معظم الدول الغربية الداعمة والصديقة للاحتلال منضمةً لميثاق روما، وبالتالي في حال عدم امتثالها لقرار المحكمة سيسأل قضاة هذه الدول وليس السياسيين، وأكَّد أنَّ هؤلاء القضاة مستقلون ويمارسون عملهم بكل شفافية وبكل إستناد وإمتثال للقانون، وهذا يعني أن ما يتنظر نتنياهو وقادته أيام سيئة تتضمن حسابهم من الدول الصديقة ومنعهم من زيارتها أو المرور عبرها، ونوه العابد أن تطبيق القرار يحتاج إلى جهد دبلوماسي رسمي، وفلسطيني، وعربي وإسلامي، و شعبي، من قبل الحقوقيين والقانونيين والمؤسسات القانونية حول العالم لمخاطبة زملائهم والمؤسسات الحقوقيه في الدول المنضمة للميثاق لحثهم على تطبيق مذكرة الجنائية، ومواجهة محاولات الإدارة الأميركية بتحطيم القانون والنظام الدولي.

وتابع العابد: أنَّ المحاكمة القانونية هي البداية، ويجب على المطلوبين تسليم أنفسهم، وهم بالتأكيد يرفضون، لذلك المطلوب من دول المنضمة في ميثاق روما اعتقال نتنياهو وغالانت عند المرور في أراضيها، وحتى الدول غير المنضمة يحق لها الامتثال للقانون الدولي واعتقال أي منهم في حال المرور بأراضيهم، وهذا إقرارًا مهمًا من الناحية القانونية الديبلوماسية والسياسية، فبذلك دولة الكيان أصبحت دولة محاصرة، سواءً من الدول الموقعة على ميثاق روما، وغير الموقعة التي هي بين خيارين إما الامتثال لإرادة القانون الدولي، إما أنها ستصبح شريكة بإبادة جماعية يقودها رئيس احتلال مطلوب جنائيًا.

وفي سياق قول المتطرف سموتريتش: "علينا اتخاذ إجراء حاسمه ضد الجهات التي أدت إلى فتح الإجراء القانوني لدى المحكمه الجنائية وعلى رأسها السلطة الوطنية"، علق العابد، أنَّ هناك أهمية لموضوع التوجه للقانون الدولي وللمؤسسات الدولية رغم البطئ الشديد في تحركاتها والغطرسة الأميركية وهيمنتها على عدد من المؤسسات، واختطاف أميريكا مجلس الأمن، إلا أنه كان هناك إيمان لدى القيادة الفلسطينية ولدى شعبنا بعدالة هذه المحاكم الدولية. ومن هنا كان انضمام دولة فلسطين لميثاق روما، وقد تعرضت القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت لهجمات عقابية طالت الشعب الفلسطيني برمته، وبالمناسبة ما زلنا نعاني من أثار ومن تبعات واستمرارية هذه العقوبات التي توجه للقيادة وللشعب الفلسطيني.

وحول استخدام الولايات المتحدة للمرة الرابعة الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بوقف فوري لاطلاق النار في غزة بمجلس الامن، أكَّد العابد هذا يعني استمرارية التوحش الأميركي على الأبرياء وبحق كل شعوب العالم، فالرئيس بايدن يتفاخر بصهيونيته وقتل الأطفال، والإدارة الأميركية غالبية ممارساتها بحق النقد تطال فقط الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة، التي جعلت العالم والشعب الأميركي ينتفضون بالتظاهرات التضامنية، وحتى بما يتعلق بقرار المحكمة الجنائية هناك تحركات في الداخل الأميركي، فإحدى المدن في ولاية متشجن الاميركية أعلنت أنها ستقوم  باعتقال مطلوبي الجنائية إذا دخلوا أراضيها، وأيضًا العضو في مجلس الشيوخ السيناتور أعلن أن محكمة الجنايات أصدرت لرؤيتها بوجود العدالة، ويجب على الولايات المتحدة أن تلتزم بهذه المذكرة.

وفي الختام أكد العابد أن دولة الاحتلال مهما بلغت من وحشيتها فهي إلى زوال، والدماء التي تسيل في غزة ولبنان وسوريا والعراق ومن كل مظلوم حول العالم، هي ضحيتها، ومحاكمتها مطلب عالمي وليس فلسطيني فحسب.