في حوار هاتفي أجرته الإعلامية مريم سليمان عبر قناة فلسطيننا، استعرض الباحث في العلاقات الدولية بمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي الدكتور عوض سليميّة، تطورات الأوضاع في المنطقة وأهمية قرار المحكمة الجنائية الدولية، وأوضح سليمية أن قرار المحكمة نقطة تحول تاريخية في تاريخ العلاقات بين الشعوب، وفي مسار الاشتباك القانوني والدبلوماسي والسياسي للقيادة الفلسطينية الحكيمة وحلفائها من جهة وبين أميركا وإسرائيل ومن يؤازرها على الساحة الدولية من جهة أخرى.

وحول ما يترتب عن قرار المحكمة من مزايا لدولة فلسطين، أكد سليمية سقوط الحصانة المعهودة من الإفلات والعقاب التي تمتعت بها إسرائيل على مدار العقود الماضية، بفعل الهيمنة الأميركية ونظام القطب الواحد والإرهاب الذي تمارسه واشنطن على المؤسسات الدولية، ولكن بعد قرار المحكمة الجنائية أصبح بإمكان المؤسسات الدولية والحقوقية بما فيها محكمة العدل الدولية أن تسترشد بهذا القرار سواء على مستوى العالم أو على مستوى المحاكم المحلية في الدول التي تتمتع بصلاحيات محاكمة قاده الاحتلال باعتبارهم مجرمي حرب على مستوى القضايا الفردية، وفارين من العدالة ومطلوبين للمحاكم الدولية.

وأكَّد سليمية، أنَّ  هذا القرار ضرب ما يسمى بشرعية إسرائيل على المسرح الدولي، وبالتالي زيادة عُزلة إسرائيل رسميًا، بالإضافة إلى عزلتها شعبيًا. وأضاف: أنَّ القرار منع أقدام نتنياهو وغالانت من أن تحط أقدامهم في مئة وأربعة وعشرين دولة موقعة على عهد روما،  وملتزمة بتطبيق ما يصدر عن المحكمة من قرارات ومذكرات اعتقال. بالإضافة إلى حرمان نتنياهو من الوقوف على منصة أهم تجمع دولي، وهو الأمم المتحدة باعتباره مطلوبًا لإحدى مؤسساتها.

وتابع سليمية، أنَّ القرار أيضًا أحدث فجوة في المواقف التقليدية الأوروبية الملاصقة للمواقف الأميركية الداعمة لإسرائيل، وتجلى ذلك بتصريحات الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، التي طالب من خلالها دول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالالتزام الكامل بهذا القرار، وشدد سليمية على أنَّ القرار من شأنه زيادة الضغوط القانونية على الدول التي تواصل بيع وتزويد إسرائيل بالأسلحة.

 أما على مستوى انصار الحق الفلسطيني في العالم وبخاصة في الولايات المتحدة، أكَّد سليمية، أنَّ القرار يمنحهم دفعة معنوية وقانونية وسياسية لنشاطاتهم المناهضة لسياسات الاحتلال، والمطالبة بتطبيق القوانين الدولية والكف عن حماية إسرائيل. وعلى وقع كل ذاك أكد سليمية، أنَّ القرار فتح مسارات واسعة أمام المحاكم الدولية، وأرسل إشارات واضحة لا لبس في جوهرها أنَّ من الآن فصاعدًا زمن الإفلات من المحاسبة والعقاب لقادة إسرائيل قد ولى وإلى غير رجعة. 

ونوه سليمية أن قرار المحكمة توّج الجهود القانونية كافةً، والنشاط الديبلوماسي الفلسطيني، وللقيادة الفلسطينية التي برعت في استخدام نفس الخيوط ونفس المسارات التي تنتهجها أميركا وأوروبا لإدانة دول وشعوب وقادة العالم الذين يخالفون في سياساتها. 

وتابع، أنَّ أميركا سبق ولجأت إلى المحكمة، وهي ذاتها التي نددت بها أمس، لمعاقبلة وإصدار مذكرات اعتقال بحق رؤوساء دول عدة الذين خالفوا سياستها، مؤكدًا أن اليوم الولايات المتحدة تظهر على حقيقتها بأنها قامت بتصميم المنظمات والمؤسسات والنوادي القانونية العالمية فقط لتطبيقها على العرب وعلى الدول الضعيفة الخارجة عن سيطرتها، وشدد سليمية على أنَّ المحكمة الجنائية الدولية لم ترضخ للتهديدات الدولية وعلى رأسها الأميركية.

وحول السياسية الأميركية ومغادرة بايدن البيت الأبيض، علق سيلمية، أن السياسية الأميركية لم تتغيّر وبدأنا نسمع مستشاري ترامب قبل تسلمهم، بالتهديد الوعيد بأن يوم العشرين من يناير المقبل هو يوم التغيير وسوف يتم ممارسة أقصى درجات الضغط على قرار المحكمة، وقد ذهب آخرون من صناع القرار في الولايات المتحدة إلى مستوى أعلى من التهديد، وذلك بالمطالبة بتطبيق قانون غزو لاهاي الذي أقره الكونغرس عام ألفين وإثنين، والذي في جوهره أنَّ الجيش الأميركي مصرح له بغزو هولندا أو لاهاي تحديدًا، وتحرير كل من تقوم هذه محكمه بتوقيفه من المواطنين أو العسكريين الأمريكيين أو من حلفاء إسرائيل.

وحول ما ينتظر فلسطين من إجراءات إسرائيلية وأميركية بعد هذا القرار، توقع سليمية توجيه مزيد من الضغط وما بات يعرف بتدفيع الثمن للسلطة الفلسطينية وللقيادة الفلسطينية على هذا التوجه الذي زلزل الاحتلال، إذ لم يكن يتوقعه حتى في أسوأ كوابيسه.

وفيما يتعلق بتصريحات الوزير المتطرف الإسرائيلي كاتس إعفاء المستوطنين من القضايا ومن الاعتقال، علق سليمية أن هذا القرار بمثابت إعطاء المجال لزيادة المستوطينين من فسادهم وخرابهم تحت حماية ودون محاسبة، وهذا ينسجم تمامًا مع نداءات ومطالب المتطرف بن غفير، وتابع مؤكدًا على ارتفاع حدة الاعتداءات الإجرامية والحجز لأموال المقاصة، ومحاربة كل ما هو فلسطيني، لكن في المقابل شعبنا موجود على أرضه ومتمسك بحقه، ولا تهزه مثل هذه الإجراءات لأنه اعتاد على مواجهتها.

وتطرق سليمية في الختام إلى الملف اللبناني، قائلاً: إنَّ نتنياهو لن يقدم هدية لبايدن في نهاية فترة ولايته، فهو بانتظار قدوم ترامب للبيت الابيض حتى عشرين يناير المقبل، وسيقدم له هدية وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، استجابة لطلبات ترامب ووفقًا للمصالح المشتركة، ووفقًا لضمانات من المخابرات الأميركية أن تبقى داخل الملف اللبناني وتتابعه بشكل دائم حتى يبقى على تواصل بكل ما يستجد، وهذه المطالب خارج القرار ألف وسبعمئة وواحد.