بقلم: بشار دراغمة

فجر أمس الأربعاء، وبينما كان مخيم بلاطة يحرق من جديد في تنور نار الاحتلال. لم يكن الصبح نقيًا بما يكفي ليغسل وجوه البيوت المتعبة وكأن الفجر حمل معه ثقل قرون من الوجع الذي يتجدد مع كل عمليات اقتحام تالية بينما يتغير حجم هذا الثقل تبعًا لحجم عملية الاقتحام أو الاجتياح.

بدأ الموت جولته المعتادة في مخيم بلاطة، ذلك المكان الذي تعلَّم أن يستيقظ على أصوات إطلاق النار والانفجارات، وأن ينام على صدى الرصاص، لم يكن فجر أمس سوى رقم إضافي في رزنامة الجراح، لكنه كان الأشد وطأة، وفق روايات شهود عيان.

قال الصحفي جمال ريان: "أكثر من 500 جندي ينتشرون مشاة في أزقة المخيم، نشاهدهم ينسلون من العتمة ككابوس يملؤون الزقاق بخطوات ثقيلة، لا يحملون سوى الحقد، ولا يعرفون سوى لغة الاقتحام من منزل لآخر".

وأضاف ريان: "ينتقلون من بيت إلى بيت، كأنهم يجردون الحجر من خصوصيته. لا يطرقون الباب، بل يخلعونه، ولا يفتشون، بل يقتلعون، كل منزل هو اشتباه، وكل مواطن هو تهمة، ففي لحظات تحولت غرف النوم إلى ساحات تحقيق، وتحولت الأمهات إلى دروع بشرية".

وقال ريان: إن الوصول إلى المنازل التي تتعرض للاقتحام في المخيم مهمة مستحيلة لكن ما يتناقله المواطنون الذين تعرضت منازلهم للاقتحام يكشف حجم الجريمة التي تعرض لها مخيم بلاطة من عمليات تنكيل وتدمير.

وأضاف: "خربوا كل شيء، عبثوا بالصور، مزقوا المذكرات، قلبوا الأسرة كأنهم يبحثون عن وطن مدفون تحت الوسائد، يحتجزون المواطنين في غرفة واحدة".

وأفاد ريان أنه رصد اعتقال مواطنين من قبل سلطات الاحتلال بالإضافة لعمليات اعتقال طالت عشرات الشبان.

وسط هذا المشهد المذبوح، وصلت سيارة إسعاف كانت تحمل مريضًا أو مصابًا يتأرجح بين الحياة والموت، أوقفها جنود الاحتلال وفتشوها كما يفتش القلب في لحظة خيانة. سائقها صرخ: "الوقت لا ينتظر"، لكنهم كانوا أسرع من الزمن، أبطأ من الرحمة.

صور رصدتها الكاميرات لسيارات الإسعاف وهي تستوقف تلك السيارة التي منعوا مرورها، لم يتركوا لها سوى الصمت رغم أن كل ثانية كانت تأخيرا في نبض، كل دقيقة كانت جريمة.

أما الصحافيون، أولئك الذين ظنوا أن الكاميرا درع، فقد طالتهم يد القمع على مداخل المخيم اصطفوا، أرادوا أن يكتبوا الحقيقة بالصورة، لكن الحقيقة هنا لا تنشر بل تقمع، قنابل الغاز أطلقت كأنها رسائل كراهية، وكأن الصورة صارت جريمة.. رواية أكدها عدد من الصحافيين.

وقال المواطن محمد عامر: إن الاحتلال يعرف أنه لا يبحث عن شيء في المخيم سوى الدمار والخراب.

وأضاف عامر: "بدأوا يتسللون من أطراف المخيم كأشباح تمشي على جراحنا، ثم ما لبثوا أن استباحوا كل شيء، فكل باب كان يفتح، يفتح بصرخة أو بانفجار، وكل منزل يقتحم، يهدم من داخله، لا بجرافة بل بغل بشري لا يعرف الرحمة".