بقلم: علي الفرا
لجأ بعض المواطنين في غزة للسكن في بيوتهم الآيلة للسقوط، رغم تحذيرات المهندسين والمختصين، من خطر سقوطها عليهم، لكن عدم وجود بديل وقسوة العيش في خيام دفعتهم للمغامرة والعودة لها.
فالحرب على قطاع غزة التي استمرت 471 يومًا، أسفرت عن تدمير ما لا يقل عن 60٪ من المنازل بشكل كلي وجزئي.
ووفقًا لتقارير دولية فإن المتفجرات التي ألقيت على القطاع فاق حجمها وقوتها التدميرية القنبلتين النوويتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة الأميركية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتان في الحرب العالمية الثانية.
وأكدت بلديات عدة أنه لا يوجد بيت في القطاع لم يتضرر وبشكل متفاوت، بين هدم كامل وضرر كلي يستوجب الإزالة، وضرر جزئي بليغ، وأضرار خفيفة تقتصر على تكسير الشبابيك والأبواب.
يقول الحاج عبد الرحمن العبادلة (68 عامًا): قررت انا وأبنائي العودة لبيتنا في مدينة خان يونس جنوب القطاع رغم تحذير المهندسين، فأعمدة البيت وسلالمه (أدراجه) مدمرة، والطابق الأرضي مفرغ من حيطانه.
وأضاف: "منزلنا المكون من ثلاثة طوابق، يوجد فقط الطابق الثاني صالح للسكن، وقررنا إنشاء سلم (درج) خارجي لنتمكن من الوصول إليه رغم صعوبة الأمر وخطورته".
وأوضح العبادلة أن حياة العائلة في الخيام خلال فترة الحرب، جعلتهم يتحملون المخاطرة والعيش في منزلهم الآيل للسقوط هربًا من جحيم الخيام خاصةً في برد الشتاء وغرقهم إذا هطلت الأمطار.
بدوره، أوضح محمد دبابش الذي يعيش في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، أن منزله المكون من أربعة طوابق لم يتعرض لقصف مباشر، لكن دبابات وجرافات الاحتلال الإسرائيلي هدمت أعمدته الرئيسية، ما جعل البيت آيلا للسقوط.
وأفاد أن مهندسي البلدية حذروا العائلة من السكن في المنزل خوفا من سقوطه في أي لحظة، وأن المنزل ضخم ولم يعد آمنًا بسبب انهيار عدد من الأعمدة الرئيسية.
وقال دبابش: "كثيرًا ما شعرنا باهتزازات بسيطة ونحن نجلس بالمنزل، لكن عدم وجود بديل دفعنا للعيش فيه رغم الخطر، فنحن نزحنا لأكثر من 12 مرة خلال الحرب، وتنقلنا بين رفح ومواصي خان يونس، وسكنا بيوت أقارب وأخرى بالإيجار، ولجأنا أحيانا للخيام، لذلك قررنا العودة للمنزل مهما كانت المخاطر".
وأضاف: "لكي نشعر ببعض الطمأنينة، دعمنا المنزل ببعض الأعمدة الحديدية المتحركة، رغم أن المهندسين أكدوا أن تلك الأعمدة لن تكون كافية لإزالة الخطر، وأن البيت يجب إزالته لكي لا نعرض حياتنا للخطر".
أما المواطن خالد الغمري فقال: إن من الصعب على العقل البشري أن يتصور أن منزله مأهول بالسكان، فهو مائل بشكل حاد، وذلك لأن أعمدته الأمامية مهدمة، وبقيت بعض الأعمدة الخلفية.
ويرى الغمري، أن المنزل ما دام قائما فمن الصعب تركه، لأنه يُعتبر الأفضل بين كافة الخيارات المتاحة، مؤكدًا أن العائلة صممت على العيش فيه رغم حيطانه المشققة وميلان المناطق الأمامية بشكل حاد، الأمر الذي يحتاج للحركة بحذر شديد.
وأعرب عن قلقه وخوفه الشديد على أطفاله من اختلال توازنهم والسقوط، لذلك منعهم من الدخول للأجزاء الخطيرة من المنزل.
وتمنى الغمري أن يتم العمل بشكلٍ سريع على إعادة الإعمار ورفع وإزالة الركام، وأن يتم منحهم منازل متنقلة (كرفانات) بشكل مؤقت ليتمكنوا من العيش بشكل آدمي، يحفظ حقهم في الحياة وكرامتهم إلى أن يتم بناء منازلهم من جديد.
بدوره، أوضح غسان السقا من بلدة القرارة شمال خان يونس أن بيته تعرض للتجريف من جميع الاتجاهات لتبقى الطوابق العليا شبه معلقة وبدون أعمدة تحملها أو السلالم الموصلة لها، لذلك أقاموا سلالم خشبية خارجية ليتمكنوا من الوصول لها، رغم قرار المهندسين بأن البيت يجب إزالته.
ويصف ما حدث للمنزل بأن جرافات الاحتلال حرصت على إزالة كافة الأشجار المحيطة بالمنزل، كما تعمدت تدمير الأعمدة والواجهة الرئيسية له ليعزل الطوابق العليا، والتي تصدعت بشكل كبير وأصبح التحرك داخلها أمر خطير.
وأكد السقا أن العائلة تمكنت من صنع سلم خارجي للوصول للطوابق العليا، معربًا عن خوفه الدائم من سقوط أحد أطفاله من الدرج المتواضع نظرًا لعدم وجود مواد بناء.
من جانبه، قال مدير للاستشارات الهندسية، وعضو لجنة تطوعية لتقييم الأضرار، المهندس نادر الفرا: أن اللجنة فوجئت بالعديد من المنازل الآيلة للسقوط التي عاد سكانها لها رغم تحذيرهم من ذلك.
وأضاف: "قمنا بجولة ميدانية ليلية في منطقة الكتيبة شمال غرب خان يونس، وفوجئنا بوجود أضواء تنبعث من بين ركام بعض المنازل، والأخرى الآيلة للسقوط".
وأكد الفرا أن قوات الاحتلال تعمدت في المناطق التي توغلت داخلها تدمير البيوت بشكل جزئي ولكن بشكل مدروس، ما يجعل البيت آيلا للسقوط وما يدفع أصحابه لهدمه بأيديهم.
وحذر من خطورة السكن في المنازل الآيلة للسقوط لأن عمليات الهدم التي تعرضت لها، يدل على أن العمل مدروس وممنهج، وأن تلك البيوت قد تنهار على ساكنيها بشكل مفاجئ.
وأوضح الفرا أن قوات الاحتلال عمدت إلى حرق كثير من المنازل بشكل يجعلها غير قابلة للإصلاح حيث إن الحرق وصل للحديد المسلح داخل أساس وأعمدة المنازل، ما يجعل إعادة الترميم أمرًا مستحيلاً، مبينًا أن الحرق الخارجي يمكن إصلاحه وأن الأمر يقرره المهندسون.
وطالب المواطنين بتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر وعدم السكن في البيوت الآيلة للسقوط، مبديًا تفهمه لما يقوم به بعض المواطنين من السكن في تلك البيوت رغم تحذيريهم من ذلك لأنهم لا يملكون حلولا بديلة.
وقال الفرا: "المواطنون الذين يسكنون في البيوت الآيلة للسقوط أمامهم خياران، كلاهما مر، فالبديل الوحيد لتلك البيوت هو العودة للخيام"، معربًا عن أمله في سرعة التحرك ومحاولة إيجاد حلول بديلة لهم ولو بشكل مؤقت.
وأسفرت حرب الاحتلال على غزة عن ارتقاء 48,503 شهداء وإصابة 111,927 ألف مواطن، حتى الآن وفقا للمصادر الطبية، وتدمير أكثر من 60% من المنازل إلى جانب تدمير مواقع أثرية ومساجد ومستشفيات ومدارس وجامعات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها