بقلم: ريم سويسي
يجلس الأسير المفرج عنه قبل أيام، بدر مقداد بين أهله في خيمة نصبوها على ركام منزل العائلة المدمر احتفالاً بالإفراج عنه.
ويعاني مقداد من حالة نفسية صعبة، وجسدية غاية في الإرهاق نتيجة ما تعرض له من أساليب التعذيب على يد جيش الاحتلال، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله حتى يوم الإفراج عنه.
يقول مقداد (46 عامًا): "تم اعتقالي في 19 آذار/مارس الماضي، كنا في رمضان، وكنت في بيت عمي القريب من مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، وفجأة أُطلق النار بكثافة في المنطقة، فحاولنا الخروج أنا وعائلتي لكننا لم نتمكن من ذلك، حيث تمركزت الدبابات عند باب المنزل الذي كنا فيه".
ويضيف: "تفاجأنا بدخول الجيش المنزل الذي كنا فيه وأخبرناهم بأننا مدنيون لكنهم لم يأبهوا مطلقًا، وأجبرونا على خلع ملابسنا ثم اعتقلونا من داخل مستشفى الشفاء، وحققوا معنا وسط الضرب".
وتابع: "تم الاعتداء علينا بقساوة ونحن مكبلو الأيدي إلى الوراء مع الركل والضرب بالهراوات بعنف، ثم وضعونا جميعًا داخل حمام لا يليق بتربية حيوان، وسط ضرب الجنود العنيف".
واستدرك: "وضعوا مئة وعشرين شخصًا فوق بعضهم البعض، في شاحنة ونُقلنا إلى معتقل على حدود قطاع غزة وتعمدوا السير بنا في طريق مليء بالمطبات حتى نرتطم ببعضنا، لدرجة أن الدماء كانت تسيل من أجسادنا".
وحول أساليب التعذيب في معتقل "عوفر" الذي أطلق عليه الأسير اسم "عوفر الجحيم الأزرق"، يقول: "كان الجو باردًا جدًا، وكنا عراة ومعصوبي الأعين ومقيدي الأرجل بالسلاسل، ناهيك عن الضرب، ولم يأخذوا بالاعتبار كبار السن والأطفال ممن كانوا بيننا".
ويكمل حديثه: "كان الجنود يتحدثون باللغة العربية ويقولون: هؤلاء للإعدام، الأمر الذي جعلنا ننهار نفسيًا، ومع شدة الضرب فقدت الوعي ولم أعلم ما الذي حصل لي".
ويقول: "تم نقلي بالإسعاف إلى المستشفى وهناك حين علموا أنني من غزة قاموا واعتدوا علي مرة أخرى، ثم تم نقلي إلى مكان آخر للتحقيق وهو عبارة عن بركس، حيث تم تعذيبنا والتحقيق معنا على مدار 120 يومًا".
يصمت قليلاً ثم يعاود الحديث، "اعتدت علينا الكلاب البوليسية، وكانت تعضنا وتنهش أجسادنا، إلى جانب رشنا بغاز الفلفل على وجوهنا".
يعاني الأسير حاليًا آلامًا شديدة في قدمه اليسرى وصدره.
ويكمل: "مُنعنا من دخول الحمام ومن تناول الطعام، فخسرت من وزني أكثر من عشرين كيلوغرامًا".
وتابع: "استُشهد الكثير ممن كانوا معنا أثناء التحقيق نتيجة الضرب الشديد واستنشاق غاز الفلفل، على يد فرق مخصصة للقمع".
وحول يوم الإفراج يقول مقداد: "تم نقلنا من عوفر إلى سجن النقب وكنا لا نزال مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، وهناك تم نقلنا في حافلات إلى معبر كرم أبو سالم وتسليمنا إلى الصليب الأحمر، وقد ألبسونا قمصانًا مكتوبًا عليها "لا نغفر ولن ننسى".
وأُفرج عن الأسير مقداد يوم السبت الماضي 15 شباط بعد قضاء 340 يومًا.
وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، نقلا الأربعاء الماضي، شهادات لمعتقلين من قطاع غزة، وهي جزء من عشرات الشهادات والإفادات التي حصلت عليها المؤسسات من خلال الزيارات التي جرت للعديد من معتقلي غزة على مدار الفترة الماضية.
وأكدا أن الجرائم والانتهاكات التي تعكسها الشهادات، لم يتغير مستواها، بل لا تزال في المستوى ذاته، ما يضاعف مستوى الخطورة على مصير الآلاف من المعتقلين، لا سيما مع مرور المزيد من الوقت على مواجهتهم لنفس مستوى الجرائم والظروف الاعتقالية، كما أن العديد من معتقلي غزة ما زالوا لا يعلمون أي شيء عن مصير عائلاتهم، بعد مضي عام وأكثر على اعتقالهم.
وأكد نادي الأسير الفلسطيني، أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتصاعدة بحق المعتقلين لم تتغير خلال الشهر الماضي، بل إن بعض السجون تصاعدت فيها حدة الاقتحامات ووتيرتها.
كما تواصل منظومة السجون وأجهزة الاحتلال بمستوياتها كافة، ممارسة جرائمها الممنهجة بحق المعتقلين، فبعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة وآثارها الكارثية وما رافقها من عمليات محو استعمارية ممنهجة، لا تزال سجون الاحتلال ومعسكراته وجها للحرب.
وأضاف نادي الأسير في بيان له يوم الاثنين، أن الحالات المرضية -في ازدياد- لعاملين أساسين وهما: مرور المزيد من الوقت على استمرار اعتقال الآلاف في ظروف صعبة ومأساوية، إضافة إلى اعتقال المزيد من المواطنين ومنهم الجرحى والمرضى الذين بحاجة إلى رعاية صحية مكثفة، أما على صعيد الجريمة الأساس لكل ما يجري في السجون وهي عمليات التعذيب، فهي لا تزال تشكل العنوان الأبرز للظروف الاعتقالية للمعتقلين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها