بقلم: عنان شحادة
بعد اليوم، لن يتمكن الشاب الرياضي مالك العاصي (19 عامًا) من الالتحاق بمؤسسة "إبداع" في مخيم الدهيشة للاجئين جنوب بيت لحم، لمواصلة طريقه نحو الإبداع وتحقيق حلمه في لعبة كرة السلة، بعد أن أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على إغلاق المؤسسة، في إطار استهدافها لكل أشكال الحياة في المخيمات الفلسطينية.
يقول العاصي: "إبداع" لم يكن مجرد اسم، بل كان حكاية تُروى وملاذًا لأحلام أبناء المخيم الطامحين، فقد كان البيت الذي احتضننا والمساحة التي منحتنا الأمل في واقع يضيق علينا كل يوم، ولم يكن مجرد مؤسسة ثقافية أو رياضية، بل كان نبضًا يفيض بالحياة وحلمًا وُلد من إصرار فتية أرادوا أن يكون لهم مكان آمن يحميهم من قسوة اللجوء والحرمان".
ويؤكد العاصي أن "إغلاق المؤسسة لن يكون نهاية الطريق، بل بداية جديدة لحكاية لا تموت".
من وسط ويلات الاحتلال وقمعه وإجراءاته المفروضة على مخيم الدهيشة وإغلاقه بالأسلاك الشائكة، وُلدت فكرة تأسيس مؤسسة "إبداع" في عام 1994، لتكون ملاذًا لأطفال المخيم.
وفي الثامن من شهر شباط/فبراير الجاري، سلّمت قوات الاحتلال إخطارًا بإغلاق المؤسسة لمدة ستة أشهر دون سبب يُذكر.
يقول الشاب زين عيسى: إن "إبداع" هي أكثر من مجرد مكان يتعلم فيه الشباب، فهي حاضنة للإبداع تسهم في بناء الشخصية وصقل المهارات، ورغم القرار الجائر الذي حاول أن يخمد هذه الشعلة، تظل آثار المؤسسة حية فينا، في كل فكرة وفي كل خطوة، وفي كل حلم، إنها رسالة تمر من جيل إلى جيل، تؤكد أن الإبداع لا يعرف حدودًا وأن الأحلام يمكن أن تتحقق مهما كانت الظروف.
ويبلغ عدد سكان مخيم الدهيشة نحو 15 ألف نسمة، يسكنون على بقعة تقل عن نصف كيلومتر مربع، ما يعني خلو المخيم من أي مرفق ترفيهي أو ثقافي للأطفال والشباب.
ويقول المدير التنفيذي لمؤسسة إبداع خالد الصيفي: إن المؤسسة تُعنى بالشؤون الأكاديمية والثقافية والفنية والرياضية، واستهدافها هو استهداف للوعي الثقافي والعلمي لشعبنا الفلسطيني، مشيرًا إلى أن فكرة التأسيس جاءت بهدف إيجاد متسع للطفل الفلسطيني وخاصة اللاجئ، للبحث عن طفولته الضائعة.
ويشير الصيفي إلى أن المؤسسة تعرضت منذ التأسيس لاعتداءات عديدة من الاحتلال، من خلال الاقتحامات المتكررة، وآخرها تضمنت تكسير 12 بابًا وتدمير محتوياتها كافة، وتحويلها إلى مركز تحقيق مع الشبان، وتحويل سطحها إلى نقطة مراقبة من خلال نشر القناصة خلال الاقتحام.
ويوضح الصيفي أن الأهداف الرئيسية للمؤسسة هي تنمية قدرات الطفل الفلسطيني في النواحي كافة، ثقافيًا، وفنيًا، وصحيًا، ورياضيًا وأكاديميًا، والاهتمام بتطوير قدرات المرأة الفلسطينية وبقطاع الشباب والمشاركة في هموم المجتمع المحلي، وتعميم ثقافة "تقبل الآخر" بعيدًا عن فئوية اللون والعرق والدين والمنشأ.
ويضيف: أن مؤسسة "إبداع" لها بنايتان: الأولى وسط المخيم، والأخرى المركز الرئيس على شارع القدس الخليل قبالة بوابة الحديد الشاهدة الحية على فظاعة المحتل الإسرائيلي، وتمتاز بتعدد أذرعها وأنشطتها المختلفة، وتعمل بأوجه متعددة، فنية وصحية وأكاديمية وثقافية ورياضية، إذ تنفذ هذه الفعاليات في مبنيين رئيسين، ومن أهم فعالياتها، الفنية ويستفيد منها (100 طفل)، وروضة تتسع لـ(124 طفلاً)، وحضانة تتسع لـ(100 طفل)، والأنشطة والمجموعات النسوية التي فيها خمس مجموعات تزيد على 100 امرأة.
كما تضم المؤسسة مخيطة ومكانًا للتطريز، يشارك فيها 40 امرأة، والرياضة النسوية ويشارك فيها 60 امرأة، ودائرة أمهات الشهداء.
كما تضم المؤسسة الدوائر الثقافية والإعلامية والشباب بعضوية 50 شابًا وشابة، ومشروع مكتبة الأطفال التي تحتوي على آلاف الكتب المختلفة خاصة للأطفال، والدائرة الصحية التي تنشط في تقديم خدمات صحية أهم حقولها نادي السكري للكبار بعضوية (96) امرأة، وأطفال مرضى السكري (40) طفلاً وطفلة.
وعلى الصعيد الرياضي، يبرز فريق إبداع لكرة السلة الذي تُوّج بالعديد من البطولات، بالإضافة إلى فريق لكرة الطائرة النسوية الذي يتربع على عرش اللعبة في فلسطين.
تؤكد الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أن إغلاق المؤسسة إجراء تعسفي وغير قانوني، ويمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة الفلسطينية، وتوسيعًا للسيطرة الإسرائيلية والضم الفعلي للأرض الفلسطينية، واعتداءً خطيرًا على حق المواطنين في تكوين الجمعيات والانضمام إليها، في خرق واضح لأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية تكوين الجمعيات دون تدخل تعسفي.
وتضيف: "هذا يأتي في سياق أوسع من استهداف المؤسسات الأهلية الفلسطينية، والتضييق الممنهج على عملها، في محاولة لتقويض دورها الحيوي في المجتمع الفلسطيني، خاصة المؤسسات التي تُعنى بتنمية الأطفال والشباب وتعزيز صمودهم من خلال أنشطة ثقافية، واجتماعية، ورياضية".
كما أدان الاتحاد الفلسطيني لكرة السلة إقدام قوات الاحتلال على إغلاق مؤسسة إبداع، "التي تعد أحد الأندية العريقة في كرة السلة الفلسطينية، وصرحًا رياضيًا وثقافيًا له دوره الكبير في تنمية الأجيال وتعزيز روح الرياضة في المجتمع الفلسطيني".
وأضاف في بيان: أن هذا الإجراء التعسفي يضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال ضد المؤسسات الرياضية الفلسطينية، وهو دليل واضح على همجية الاحتلال وسياسته الممنهجة في استهداف البنية الرياضية والثقافية لشعبنا، في محاولة يائسة لكسر إرادة الشباب الفلسطيني وإضعاف دور الرياضة كمساحة للتعبير عن الهوية الوطنية وتعزيز الصمود.
وطالب، الاتحاد الدولي لكرة السلة "فيبا"، واللجنة الأولمبية الدولية وجميع المؤسسات الحقوقية والرياضية العالمية بتحمل مسؤولياتها والضغط على الاحتلال لوقف ممارساته القمعية بحق الرياضة الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها