امل خليفة/ "إيماناً منا بحق الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية وأحرار العالم ومسؤولياتنا المهنية والوطنية، نتوجَّه اليوم إليكم جميعاً بما توفَّر لدينا من معطيات وبيانات ودلائل جديدة جاءت في تقرير المركز الروسي للطب الجنائي وتقرير المركز الجامع للطب الشرعي السويسري اللذين استلمَتهما لجنة التحقيق الفلسطينية في قضية استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات في 2 و5/11/2013 في كل من رام الله وجنيف. وتأكيداً على مبدأ المكاشفة وحق المواطن الفلسطيني في المعرفة بما لا يتعارض مع مهنية وسلامة التحقيق وبما يضمن الوصول إلى الحقيقة كاملة، ولحاجة وشغف وتوق أبناء شعبنا لمعرفة الحقيقة حول استشهاد أبو عمار، نؤكِّد أن محددات عمل اللجنة هي التزاماتنا بحق الشعب الفلسطيني في معرفة الحقيقة كاملة، لذا كان اختيار المكان والزمان لاطلاع الشعب على المعطيات الجديدة محكوماً بهذه المحدَّدات"، بهذه الكلمات بدأ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" رئيس لجنة التحقيق في استشهاد الرئيس ياسر عرفات اللواء توفيق الطيراوي حديثه لنا حول ما توصَّلت إليه التقارير الطبية بشأن ملابسات جريمة اغتيال الشهيد الرئيس ياسر عرفات.
كيف ومتى تشكَّلت اللجنة الطبية المكلَّفة بمتابعة التحقيق في ملف استشهاد الرئيس الراحل وما هي طبيعة مهامها؟
بدأت اللجنة الطبية عملها منذ فترة طويلة، وشُكِّلت من الأطباء والاختصاصيين ورجال القانون والأعمال، وبالطبع لم تكن مهمتها سياسية ولا جنائية، بل كانت علمية تهدف للبحث عن السبب الحقيقي لوفاة الرئيس، حيث أن الرئيس الراحل- الذي كان يبلغ الـ75 من العمر حينها- لم يكن يعاني من الأمراض المزمنة كالقلب والضغط والسكري والشرايين أو غيرها، ولم يكن مُدخِّنا أو متعاطياً للمشروبات أو المنبهات. ولقد قامت اللجنة بعدة دراسات مكثَّفة ومعمَّقة لكل التقارير الطبية ونتائج الفحوصات والأشعة والعينات، وناقشت الأطباء المعالجين واستعانت بالخبراء والاختصاصيين، كلٌ في مجاله، وبحثت كافة الأمور المتعلِّقة بالمرض وتطوراته، كما ورد في التقارير الفلسطينية المتسلسلة والتقرير الطبي الفرنسي الصادر عن مستشفى بيرسي الفرنسي الذي قام بعلاج الرئيس الراحل حتى وفاته. والآن تقوم اللجنة بدراسة التقريرَين الروسي والسويسري، وكانت اللجنة قد خلُصت سابقاً إلى أن تطور الحالة المرضية ناتج عن مادة سمية لم يتم فحصها أو الكشف عن نتيجة فحصها، وكان هذا رأي خبراء السموم وأمراض الدم بمراكز عالمية تم الاستعانة بهم، ولكن طبيعة هذه المادة السمية لم يكن قد تمَّ التعرُّف عليها بعد، إلى أن تم الكشف في أوائل تموز 2012 عن الاختبارات التي أجراها المعهد الفيزيائي الإشعاعي في سويسرا، التي أظهرت وجود مادة البولونيوم 210، ولكن العلماء السويسريين أشاروا إلى أنهم بحاجة إلى مزيدٍ من التحاليل وخصوصاً لرفات الرئيس الراحل لتحديد إذا ما كانت هذه المادة السمية هي المسبِّبة للوفاة.
لماذا تم إعادة فتح قبر الرئيس الراحل وأخذ العينات منه؟ وكيف تعاملت القيادة الفلسطينية مع هذا الأمر؟
بالطبع فإن هذه العملية كانت تحتاج لموافقة القيادة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، كانت السيدة سهى عرفات قد تقدَّمت بشكوى للمحاكم الفرنسية، فقرَّرت المحكمة أنه من الضروري استخراج رفات الرئيس الراحل لأخذ العينات التي يراها الطبيب الشرعي وخبراء السموم مفيدة بغية كشف الحقيقة، وطلبَت السلطات القضائية الفرنسية تعاون السلطة الفلسطينية في هذا المجال لأخذ عينات من الرفات، ورغم قناعتنا العلمية الكاملة بالنظرية السمية للوفاة إلا أن قرار الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية كان سريعاً بالموافقة، والاتصال بالمراكز السمية والمعهد الفيزيائي الإشعاعي في سويسرا، وتقديم كافة التسهيلات للوصول إلى الحقيقة بكل شفافية. وهكذا عُقِدت اتفاقات قضائية طبية لهذا الأمر بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفرنسية. ولكن قرار استخراج الرفات كان مؤلماً في ضمير القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ولعائلة الشهيد الراحل، علماً أنه كان من الممكن ألا نضطَّر لتحليل الرفات لو تم في الأساس تحليل وتشريح الجثة عند الوفاة كونها غير معروفة السبب بما يتماشى مع القوانين الجنائية، ولو تضمَّن التقرير الطبي الفرنسي اختبارات جميع أنواع السموم المعروفة والمحتملة والمستعملة في الاغتيال السياسي ومنها المواد المشعة لجزيئات ألفا، أو لو استُخدِمت عينات من الدم وسوائل الجسم التي كان من المفروض الاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن عشر سنوات كون سبب الوفاة غير معروف للمستشفى المعالج. كذلك فقد كنا نبحث عن طرف ثالث مساعد لنا، وتم اقتراح روسيا لما لها من خبرة في هذا المجال، فقام السيد الرئيس أبو مازن أثناء لقائه وزير الخارجية الروسي في 6/11/2012 بطلب المساعدة، ووافقت الحكومة الروسية على إرسال فريق طبي متخصِّص للمساعدة، وحضرت الفرق الثلاث الروسية والفرنسية والسويسرية إلى رام الله في 25/11/2012 لأخذ عينات من الرفات، وطلبنا منها البحث والاستقصاء عن سبب الوفاة وحول ما إذا كانت مادة البولونيوم 210 هي المادة السامة أم أن هناك مادة أخرى. وبعد إرسال العينات بالحقيبة الدبلوماسية، غادرت الفرق رام الله على أن تُقدِّم تقاريرها خلال ثلاثة أشهر، وتابعنا الاتصالات مع الفرق الثلاثة وكانت الاتصالات مستمرة مع كلٍ من الفريق الروسي والسويسري، وقد أبلغونا بأن الوضع معقَّد ويحتاج مزيداً من الوقت للدراسة وأكثر مما كان متوقَّعاً. أمَّا الفريق الفرنسي- ورغم الاتصال به لأكثر من مرة وعلى مختلف المستويات- فلم يُبلغنا أي ردٍ سلباً أو إيجاباً. وبعد ذلك حضر الفريق الروسي لرام الله مرة أخرى لأخذ عينات من مقتنيات الرئيس الراحل من مقر إقامته في المقاطعة لفحصها. وفي شهر أيلول 2013، أبلغنا الطرفان الروسي والسويسري بأنهما قاربا على الانتهاء من التجارب والفحوصات والأبحاث، وإعداد التقرير النهائي وتسليمه لنا، وفعلاً قام الفريق الروسي بتسليم تقريره في 2/11/2013 في رام الله، وكذلك فعل الفريق السويسري في 5/11/2013 في جنيف، وقامت اللجنة الطبية بدراسة كلا التقريرين وأسلوب البحث العلمي فيهما، ومقارنة النتائج الواردة فيهما، وستستمر هذه الدراسة بطبيعة الحال لفحص كافة المعطيات حتى تتكشف الحقيقة كاملة.
ما هي أبرز نتائج الفحوصات التي قامت بها الفرق لرفات الرئيس الراحل؟
كانت أبرز النتائج أن الفحص الجيني لجميع العينات التي أُخِذت أثبت أنها تعود للرئيس الراحل، وأظهر التقرير الروسي أن مقتنيات الرئيس التي أُخذت من المقاطعة في 14/4/2013 خالية من أي مواد سامة أو إشعاعية أو مخدِّرة. كذلك أظهرت الفحوصات في كلا التقريرين وجود الأدوية والمواد التشخيصية ومواد التحلل بعد الوفاة ضمن الحدود الطبيعية. أما بالنسبة للبولونيوم 210، فقد ثَبُتَ وجوده بنسبة عالية إضافةً إلى الرصاص المشع 210، وظهر أن هاتين المادتين المشعتَين موجودتان وبشكل متوازٍ، وكل منهما يمكن أن يولِّد الآخر، وكذلك من الممكن أن يَنتُجا عن مواد طبيعية أو إشعاعية أخرى مثل الراديوم 220. إلا انه وباستخدام التجارب والقياسات والتقنيات الحديثة، تم استبعاد مادة الراديوم أو أي مادة طبيعية أخرى كمصدر للرصاص والبولونيوم 210، وتركَّزت الأبحاث بعد ذلك لمعرفة مصدر هذين العنصرين. ومن الناحية النظرية يمكن أن يكون البولونيوم 210 هو المصدر إذا تم تناوله كمادة سامة، وعند تحلُّله أدى إلى تكوين الرصاص المشع وهذا يؤيِّد النظرية السمية. ومن نظرية أخرى، يمكن أن يكون الرصاص المشع هو مصدر البولونيوم المشع ولكن تركيز الرصاص المشع قليل ولا يُحدِث آثاراً إشعاعية سامة. ومن هنا فقد استخدم الفريقان كل التقنيات والتجارب والحسابات لمعرفة مصدر البولونيوم 210، وكان لا بد لهم من مقارنة هذه النتائج بتطورات الحالة السريرية بحسب التقارير الطبية. وفي خلاصة أبحاث ودراسات الفريقَين، رأى الفريق السويسري بأن النتائج تدعم بشكل معتدل نظرية أن تكون الوفاة نتيجة التسمم بمادة البولونيوم 210. أمَّا الفريق الروسي، فقال بأن مجمل نتائج البحث الشامل على محتويات البولونيوم 210 وتطور الحالة السريرية لا تعطي دلائل كافية يُعتمد عليها لتقرير أن البولونيوم 210 سبَّب متلازمة الإشعاع الحاد وأدى إلى حدوث الوفاة. وفي نفس السياق كانت نتائج البحث عن مواد سمية أخرى وحسب التقرير الروسي تُشير إلى معطيات تحتاج إلى المزيد من الوقت للبحث والدراسة. وعلى أثر ذلك تمَّت مناقشة كلا الفريقَين بالنتائج، حيثُ أجمعا على أن الوفاة لم تكن طبيعية أو بسبب المرض والتقدم بالسن، بل نتيجة المادة السمية، وهذا ما يعزز ما توصَّل إليه خبراء اللجنة الطبية من نتائج بأن تطور حالة الرئيس الراحل لم يكن بسبب مرض طبيعي وإنما نتيجة مادة سمية لم يتم فحصها أو الكشف عن نتيجة فحصها أثناء مرضه عام 2004، وهذا يفسر ويتوافق مع ما توصل إليه الأطباء الفرنسيون الذين عالجوا الرئيس الراحل وقتها، خاصةً أن تطورات المرض والحالة السريرية لا يمكن تفسيرها في إطار علم الأمراض.
كيف تفسِّر تعامل القضاء والطب الفرنسي مع ملف استشهاد الرئيس الراحل ومع الرسالة التي بعثت لهم؟
هناك فرق شاسع ما بين المعاملة مع المختبرين السويسري والروسي والمختبر الفرنسي. فطلب السويسريين جاء في إطار محاولة التأكيد على مسألة النتائج التي تم التوصُّل إليها سابقاً، وفحوصات المختبر الروسي تمَّت بناء على طلب من السلطة الوطنية الفلسطينية. أمَّا المختبر الفرنسي فكان طلبه بناءً على قضية موجودة في القضاء الفرنسي، لذلك كانت هناك إنابة قضائية فرنسية تم توجيهها للقضاء الفلسطيني للقيام بأعمال كان من المفترض أن يقوم بها القضاء الفرنسي في إطار الدعوة الفرنسية. ومن البداية أشار الفرنسيون إلى أنهم غير قادرين على إعطائنا هذه النتائج إلا في إطار إنابة قضائية رسمية تُقدَّم من الجانب الفلسطيني للقضاء الفرنسي، ومن جانبنا قدَّمنا للفرنسيين كافة المتطلبات القضائية لتسليمنا كافة النتائج الطبية الفرنسية لاستكمال التحقيق، وحتى الآن لم نحصل على الرد، وقد وجَّهنا رسالة جديدة لهم نطالبهم بالإسراع في تزويدنا بالنتائج التي يمكن أن يتوصلوا إليها ونحن في انتظار ذلك.
كيف ستؤثِّر نتائج التحاليل الروسية والسويسرية على مجريات التحقيق؟
منذ البداية لم نعتبر أن نتائج التقريرَين هي نهاية المطاف، وقد سبق هذا البحث العلمي وتحليل الرفات آلاف من ساعات التحقيق والبحث، أخَذت خلالها اللجنة شهادات المئات من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، داخل الوطن وحول العالم وكان الأساس في التحقيق هو الوصول إلى كافة المعطيات والتفاصيل التي تكشف عن سؤال واحد فقط وهو كيف مات ياسر عرفات. فقضية استشهاد ياسر عرفات- أبو القضية الفلسطينية وأبو الوطنية الفلسطينية القائد الذي تمتع بمحبة ودعم كل أحرار العالم- هي جريمة القرن الواحد والعشرين التي لن يمعنا عائق أو جهد من الوصول إلى حقيقتها، والأساس هو الوصول إلى من يقف وراء اغتيال ياسر عرفات، ومن يملك الإمكانيات والتقنيات العلمية لذلك. ونحن نقول إن إسرائيل هي المتهم الأول والأساسي والوحيد في قضية اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، وسنستمر في العمل المتكامل للبحث والتأكيد على كافة التفاصيل وكل عناصر القضية، ونستطيع التأكيد بأن اللجنة لديها معطيات وبيانات وقرائن حول القضية، وبالتالي فإن نتائج التقريرين الروسي والسويسري جاءت لتعزز ما تم التوصل إليه من قِبَلنا في التحقيق. وبعد ثلاثة أعوام من العمل المهني الصامت الذي يتحدَّى يومياً واقعنا وظروفنا المعقَّدة نتيجة الاحتلال، فإننا في النهاية اقتربنا من الحقيقة، ونريد أن يكون لقاؤنا القادم معكم بإذن الله هو لكشف الحقيقة كاملة أمام الجميع، فهذه مسؤولية وطنية وأخلاقية والتزام وطني ندرك أهميته، وهذا عهد ووعد لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية وللرئيس الراحل ياسر عرفات ولكل الشهداء الفلسطينيين من القادة والذين سبقوهم ولكل الشرفاء في العالم.
ما هي الخطوة التالية؟ وهل يمكن اتخاذ إجراءات قضائية بناءً على هذه الـمُعطَيات؟
على مدى هذه الأعوام التي عملنا بها ضاقت كثيراً الحلقات، ولكن يجب أن نعرف أن أي كلمة تخرج للإعلام وللعلن قد تقتل ياسر عرفات مرة أخرى بحيث أنها يمكن أن تخفي وراءها الحقيقة. وبالنسبة للإجراءات القضائية، فهذه تحتاج إلى دراسة ومراجعة للقوانين والأنظمة، ولكنني أؤكِّد أننا لا يمكن أن نقبل إلا بتقديم من قام بهذه الجريمة للقضاء سواء أكان هذا القضاء دوليا أو محلياً، ولكن ليس قبل الانتهاء من كشف الحقيقة كاملة.
هل يمكن اعتبار موفاز وشارون المسؤولين عن اغتيال عرفات بشكل مباشر؟ وهل من الممكن التوجه للمنظمات الدولية في هذه القضية؟
بالنسبة لموفاز وشارون فهما ليسا مسؤولين كشخصين عن القتل، بل إن كل الجهاز السياسي والأمني مسؤول عن القتل. ونحن جمعنا كل أقوالهم وأقوال السياسيين والأمنيين الإسرائيليين حول ضرورة قتل عرفات، وكذلك تصريحات الأمريكيين ووضعناها في كُتيب. ولكن الجريمة لها أركان، بمعنى أنه لا تكفي معرفة من يقف وراء الاغتيال والمادة، بل إن الركن الأساسي الذي نبحث عنه هو الأداة، وحين نصل للأداة تكون عناصر الجريمة قد اكتملت، وسوف نعلن الحقيقة كاملة حين نتوصل إليها. ولا بدَّ أن أنوِّه إلى أننا نحن لجنة تحقيق فلسطينية، ولكن موضوع الذهاب للأمم المتحدة يتطلب قضايا قانونية، وهذا من شأن القيادة الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها