يامن نوباني
صباح الـ6 من كانون الثاني/يناير 1983، اقتحمت وحدة خاصة تابعة للاحتلال أحد مختبرات الهندسة في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع، وقف أفرادها على الباب ليتأكدوا من وجوده في الداخل.
في المختبر الذي كان فيه الطالبان كريم يونس ورياض محاميد يقومان بتجريب إحدى الاختراعات، سألاهما: من منكم كريم؟ ليترك كريم ما بيده من عدة، ويتقدم نحو القوة الخاصة، تاركا خلفه على طاولة الدراسة قلمي رصاص وحبر وحقيبته الجامعية، ومنذ ذلك اليوم لم يعد كريم إلى بيته في عارة.
إن ما احتمله كريم يونس (63 عاما) لا تحتمله جبال! 40 عاما متواصلة في سجون الاحتلال.
عرفت عارة وهي الحي الشمالي للبلدة الأم "وادي عارة" (35 كم جنوب حيفا) في تاريخها جبلا واحدا اسمه "جبل ابو سلطان"، قبل أن يضاف إلى البلد جبل ثانٍ " جبل كريم يونس"، هو صنيعة انسان حر، أسس وطنيا وعلا ثوريا، ارتفع وامتد نضاليا، ليستقيم ويستقر فوق البلاد كاملة.
أحب كريم يونس في طفولته البرية، الساحل والجبل والوادي والتل، السباحة والرياضة بأنواعها، والمشي.
مثقفا، كاتبا، وصاحب خط عربي أنيق، ورساماً.
يرعى الأغنام ويبني مع والده الحظيرة، وناشطا اجتماعيا ومبادرا لتوفير الخدمات والبنى التحتية في البلدة، كتعبيد الشوارع، وانشاء ملعب لكرة الطائرة.
توفي من أقاربه وهو داخل السجن: أربعة أخوال، وخلاته الاثنتين، وعماته الاثنتين، وجديه وجدتيه، فيما ولد لأشقائه الثلاثة وشقيقاته الاثنتين أكثر من 20 نفرا، لم يرهم كريم إلا عبر الصور.
شقيقه نديم يونس قال لـ"وفا": كان كريم يحب الدراجات الهوائية "البسكليت"، ويذهب بها حتى شاطئ "قيسارية" على بعد 20 كيلومترا من عارة. أليفا مع الحيوانات، يحب تربيتها، وبخاصة الكلاب، سباحا ماهرا، ولاعب كرة قدم.
وأضاف: درس كريم الثانوية العامة في مدرسة السيلزيان في الناصرة، ثم توجه إلى جامعة "بن غوريون" في بئر السبع ليدرس الهندسة، تخصص في هندسة الماكنات، وحين اعتقل كان في سنته الدراسية الثانية.
والدته، تتمنى احتضانه، وأن تتناول معه إفطارا، مكونا من لبنة وزيت وزعتر.
يغضب كريم حين يرى دمع والدته أثناء الزيارة، قائلا: إذا كنتِ جئتِ لتبكي، لا تأتي. أنا لم أفعل شيئاً لتصابي بكل هذا الحزن.
وفي إحدى المقابلات التلفزيونية، تقول: انتظر أن أعيش بعد تحرره ولو ثوانٍ. لا يذهب من مخيلتي أبدا، دائما أراه أمامي. هي قليلة علي، بعد الأيام... يوم ورا يوم.
وحول والده، قال نديم: عمل والدي مزارعا، بعد أن فصله الاحتلال من سلك التعليم في خمسينيات القرن الماضي، حيث أمضى ما يقارب الـ10 سنوات، وكان معلما معروفا بخطه الوطني المتمثل في مقاطعة المنتج الاحتلالي، ودعواته للتصدي لتفريغ النقب من أهله الأصليين، وندواته حول المشاريع الاستيطانية.
وبين: بعد فصله، أمضى حياته في الأرض، وكان معلما لكريم في الوطنية والانتماء، وكان يحلم أن يدرسه في جامعات الوطن كبيرزيت أو النجاح، وكانت طولكرم وجنين أسواقه التي يتزود منها بكل مونة بيتنا وحاجياتنا، حتى الصحف كان يشتري الأعداد التي فاتته منها.
حين اعتقل كريم، قامت والدتي بإعطاء شقيقها مكتبة كريم، خوفا من المداهمة وأن يكون هناك كتب ومنشورات ممنوعة.
وجدت لديه مكتبة شخصية تحوي جميع أصناف الكتب، وكان آخر قراءاته كتاب "فلسطيني بلا هوية" لصلاح خلف "أبو اياد".
ومن تركته، بطاقته الشخصية "الهوية" باللون الأزرق، التي كانت تشبه الدفتر.
وتابع: في العام 2014، بعد 31 عاما، تعرف إلينا زميله رياض محاميد، لأول مرة بعد الاعتقال عام 1983، وأعاد لنا دفتره وحقيبته وأقلامه، وأصبح صديقا مقربا للعائلة.
واحدة من أقسى المشاهد واللحظات التي مر بها كريم، هي وفاة والدي في الذكرى الـ30 لاعتقاله، ففي تاريخ 6-1-2013 دخل إليه مروان البرغوثي وخالد الأزرق ليعزيانه، دون أن يكون قد علم بعد برحيل والده، فتحدثا إليها بعبارات من سبيل: شدة وبتزول، الله يهونها عليك، ليرد عليهم كريم: هذا وضعنا للأسف وحالنا، أتمنى أن لا تصلوا للرقم الذي وصلت اليه، 30 عاما خلف القضبان.. لكنهما صححا: لا، نحن لم نأتِ لنواسيك بهذه السنوات الطويلة من السجن إنما بوفاة والدك، هنا انهار كريم وسقط على الأرض مغشيا عليه، ليستفيق في عيادة السجن، مصدوما وحزينا.
يُشار إلى أن الأسير كريم يونس هو عميد الأسرى الفلسطينيين، وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ولد في الـ23 من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958، في بلدة عارة في أراضي العام 1948، وهو الابن الأكبر لعائلته.
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسير يونس في السادس من كانون الثاني/ يناير عام 1983، وحكمت عليه بالسّجن المؤبد، جرى تحديده لاحقا بمدة (40) عاما.
رفيق دربه الأسير ماهر يونس، والذي أمضى معه حتى اليوم 40 عاما في السجون، ولد في الـ6 من كانون الثاني/ يناير 1958، وهو من قرية عارة في أراضي العام 1948، ومن عائلة مكونة من خمس أخوات، وأخ، واعتقلته قوات الاحتلال في الـ18 كانون الثاني/ يناير 1983، وحكمت عليه بالسجن المؤبد، حيث جرى تحديده لاحقا بـ40 عاما، وخلال سنوات اعتقاله توفي والده وذلك عام 2008.
تجدر الإشارة إلى أن الأسير كريم يونس، دخل في الخامس من كانون الثاني الجاري عامه الأربعين والأخير في الأسر، وبذلك يكون قضى أكثر من نصف عمره خلف القضبان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها