الشاعرة الفلسطينية نهى عودة
عندما أسترجع ظروف حصار مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، وأحاول فهم ما كان يحدث فعلا، لا أجد تفسيرًا يتقبّله عقلٌ سوي! ربّما التفسير الوحيد يقول: أنت فلسطيني لاجئ، إذًا عليك أن تموت قتلا أو كمدًا وحزنًا.. فليس لك الحق في الحياة! لماذا يُحاصَر مخيّمٌ غادره المقاتلون والفدائيون الفلسطينيون، ولم تبقّ فيه إلاّ الشيوخ والعجائز والأطفال والمراهقون الذين هم على أعتاب الشباب.. يأملون في الحياة الوردية ويحاولون أن يحلموا.. حتى الحلم كان مستحيلاً أو لعلّه كان سلاحنا الوحيد في المخيّم، لذلك أعلنوا علينا الحصار حتى يجرّدونا من سلاح الحلم.. ربّما كانوا يرون في أحلامنا أسلحة أقوى من رشّاشاتهم وبنادقهم وأدوات الموت لديهم!
قد لا يتخيّل القارئ ما معنى العيش في مخيّم مُحاصر، وليس في وسع كلماتي أن توصِّف المعنى كما عشته! لقد عُزِلنا عن العالم المحيط بنا إلى درجة أنّنا أقمنا مقبرة في وسط المخيّم.. ولن أحدّثكم عن العائلات التي أُبيدت عن آخرها وانقطع نسلها وشُطبت من السجّل المدني، كأنها لم تكن.. ولم يكن لها جذور وتاريخ! ولن أحدّثكم عن الجوع والعطش والأمراض والمآسي اليومية التي كان فيها الفلسطيني يُمارس لعبة انتظار الموت!
ستّة أشهر تحت الحصار، لم يهدأ فيها القصف والتدمير ومنع دخول المواد الغذائية.. أكلنا لحم البغال والقطط والكلاب وحتى الجرذان.. لسدّ الجوع، والتشبّث بالحياة إلى آخر رمق! والعالم صامت كصمت القبور، تماما مثلما يحدث الآن في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وسائر مدن فلسطين المحتلة.
إنّ المجازر التي ارتُكبت بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات اللجوء مثل برج البراجنة، حيث دُفن الآلاف في قبور جماعية، ستبقى شاهدة على فظاعة الإجرام الذي تعرّض له أبناء الشعب الفلسطيني في بلدان اللجوء، وهي شهادة على أنّ الضمير الإنساني قد تحجّر منذ ذلك الزّمن!
ولكن رغم كل ما كان وما هو كائنٌ من الدمار والتشريد، سيظل الفلسطينيون متمسكين بحقوقهم وبقضيتهم، كما ذكرت. رسالة الشعب الفلسطيني واضحة: رغم كل محاولات القضاء عليهم، هم باقون وسيناضلون من أجل حقوقهم حتى النهاية. شعارهم: "سنبقى"، يعبّر عن قوتهم وإصرارهم، وإيمانهم بأنهم سيستعيدون حقهم في أرضهم، مهما بلغت التحديات.
التاريخ حتمًا سيشهد بالحقائق عن المآسي التي عاشها الفلسطينيون، وسيعرف العالم حجم المأساة التي مرّوا بها. والأمل، رغم كل الآلام، يبقى موجودًا في قلوب الفلسطينيين، وهم يواصلون النضال من أجل الحرية والعدالة.
وهذه كلمتي للعالم أجمع: مهما فعلتم بهذا الشعب وقتلتم ودمّرتم، نحن باقون ما بقي الزيتون.. وسيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علَم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس شاء من شاء وأبى من أبى كما قال زعيمنا الراحل "أبو عمار".
نحن شعب ولّاد، والضربة التي لا تقصم الظهر تقوّيه، وغدًا سيشهد التاريخ لنا وسنشهد نحن على جميع مَن تخاذل في نصرتنا أو قايض في قضيتنا من أجل مصالحه الضيّقة التافهة.. إننا شعب لا يقهر، إننا أصحاب الحق ونحن الباقون والاحتلال إلى زوال.. الاحتلال المدجّج بالمرتزقة ومَن لا يُعرف لهم ذمة ولا ملّة ولا أصول.. يوما ما أيها الصهاينة سترحلون وتعودون من حيث أتيتم عن طريق البحر، مطرودين من أرضنا الفلسطينية الطاهرة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها