الشاعرة الفلسطينية نهى عودة
العيد، كلمة تحمل في حروفها الكثير من التساؤلات والكثير من الأمور التي تثير الجدل بين الدعوة إلى الفرح والابتهال وبين مقابر الموتى والمبتوري الأعضاء والأطفال الذين يموتون من شدة البرد. فهل هناك فرح يمكنه أن يحلّ فجأة في خضم عيد لا معالم له ولا فرح فيه ولا نور في آخر شهر الصيام؟ لسنوات طويلة والأمة العربية تعاني العديد من المآسي والوجع والفقد، فكيف حال من يأتي عيده فاقدا ومفقودا في آن؟
وأنا كفلسطينية لاجئة ما زلت منذ أربعة عقود أتمنى بأن يأتني عيد أكون فيه على أرض بلادي، فأنا لا أعلم الزينة التي تعلو الشوارع والأضواء التي تضجّ بنورها.. لتأتي رصاصة تفقدها الضوء فجأة. لا أعلم قبل البدء بمراسم العيد صوت المسحراتي الذي يجول في الأزقة مناديا على الناس فلا اسمي هناك ولا اسمي هنا ولا شارع أعرفه، فكيف يطلب مني أن أهلّل بكل ما أوتيت من فرح وشريعة الفقد تعلو قلبي؟
إن الفلسطيني وعلى مدار سبعة عقود وهذا ظاهرها فقط فقبل الاحتلال "الإسرائيلي" كان هناك احتلال بريطاني نهش ما نهش وقتل ما قتل ويتَّم وأعدَّ العدة لبيع وتقديم فلسطين على طبق من جثث الفلسطينيين وقهرهم وتشردهم ولجوئهم..
منذ ذلك الحين وحتى زماننا هذا سترى بأن الفلسطيني لم تكتمل يوما فرحته فلكلٍّ قصته التي يرويها بحرقة، وفي كل عيد هناك شهيد ما قبل أو خلال أو مع تكبيرات صباح العيد.. كيف يريدون لشعبٍ واقع تحت رحى الاحتلال منذ عقود أن يخلع كل عباءات حزنه ويرقص فرحا وابتهالا بأيّ عيد؟
الطامة الأكبر، الإبادة الجماعية التي حدثت في غزة هاشم واللجوء والتشرد من جديد الذي فتك بالناس وسلب منها كل فرحة حتى أسقف المنازل لن تشهد عيدا فليس هناك شيء يشي بالفرح، لم تزل جثث الشهداء تحت الركام، لم تزل النساء تبحثن عن المفقودين، لم يزل الرجال يجوبون الشوارع بحثا عن لقمة عيش يسدون بها رمق القهر قبل الجوع!
لم يزل الكثير من الأسرى خلف سجون الاحتلال على أرض وطنهم، لم تزل الكثير من الثكالى لم تزغردن للشهيد المنتظر! إن شعب فلسطين العظيم والذي يعاني أيضا التهجير القسري من المخيمات في الضفة الغربية وبشكل تعسفي يرمى بالعوائل هنا وهناك دون رادع يفي بغرض الانتصار. ولم تزل القدس منكوبة وأهلها يعانون القهر وغيرهم الذين لن يتمكنوا من الوصول إلى المسجد الأقصى حتى إقامة شعائر صلاة العيد. الفلسطيني اللاجئ، لم تزل الحواجز موجودة على مداخل ومخارج مخيماته، لم يزل محروما من أبسط حقوقه، لم يزل يخاف الموت دون العودة إلى دياره، لم يزل يخشى بأن تكون هناك عودة ولم تزل رفاته في الغربة.
إن شعب فلسطين العظيم هو شعب لديه عيد واحد هو عيد العودة والتحرير، طالما هناك احتلال ينهش أرواح من في فلسطين ومن خارجها فالعيد سيظل ناقصا حتى وإن رأيت جميع مظاهر العيد قائمة فنحن شعب لا نستسلم ولن نفعل وإن كانت قلوبنا تعتصر ألما وفقدا وحزنا.
العيد له طقوسه التي سوف نمارس جميع معالمها عندما نستطيع أن نفرح من خلجات قلوبنا وأرواحنا دون أن نبكي على فقيدنا.. فأنا لا أطلب من الموت أن يتوقف فهو لم ولن يفعل لكني أطلب من الله العزيز القدير أن يمنحني وشعبي الفرح بالانتصار والعودة إلى قرانا وبلداتنا وأن نحيا العيد كما تفعل جميع شعوب الأرض تحت سماء أوطانهم وفي ربوع ديارهم.. فسُنّة الحياة قائمة لا محالة، لكن نحن شعب الاستثناء بكل شيء حتى الألم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها