بقلم: ريم سويسي

وسط خيام النزوح في منطقة الكرامة شمال غرب مدينة غزة، تجلس ربا علام "أم عبيدة" (35 عامًا) أمام وعاء بلاستيكي تغسل فيه ملابس أطفالها، في طقس يومي يشبه طقوس البقاء لا الحياة، فرضته ظروف اللجوء والعيش القسري في خيمة.

وتقول "أم عبيدة": "اخشوشنت يدانا بفعل إشعال النار يوميًا لطهي الطعام، ناهيك عن اسمرار بشرتنا من الجلوس لساعات أمام النار".

وتضيف: "أصبحت لا أرتدي سوى ثوب الصلاة، فهو الأنسب في الخيمة، أرتديه أثناء تعبئة المياه أو نشر الغسيل، نسيت تمامًا مستحضرات التجميل".

هذه الملامح تختصر جانبًا من معاناة آلاف النساء في قطاع غزة، ممن فقدن ملامح حياتهن الطبيعية وأنوثتهن بفعل واقع النزوح القاسي، وسط ظروف تهدد الكرامة الإنسانية.

أما رشا شبير "أم محمد" (25 عامًا)، والتي تقيم في خيمة بمواصي خان يونس، تقول: "كنت مهووسة بالمكياج والإكسسوارات. كنت أنفق كثيرًا على أقنعة الشعر والجسم وطلاء الأظافر، أما الآن فبشرتي ويداي تشبه أيدي الرجال".

وتضيف: "وجهي تغيّر تمامًا من الجلوس أمام النار، وعندما حاولت شراء كريم لتفتيح البشرة، أخبرني البائع أن لا جدوى ما دمت أمام النار طوال الوقت".

وتختم حديثها وهي تحاول تنظيف أصابعها من آثار رماد النار: "أنا في العشرينات، لكن وجهي شاحب وتجاعيده تزداد، فقدنا أنوثتنا داخل الخيام".

- عروس في خيمة

تقول ربا (22 عامًا)، عروس حديثة، التي وجدت نفسها تبدأ حياتها الزوجية داخل خيمة: "تزوجت ولم أفرح كعروس، لا أمارس حياتي كما يجب، كل شيء تعطل داخل الخيمة، لا خصوصية ولا راحة".

وتضيف: "أكاد لا أضع مساحيق تجميل، وأقضي وقتي في تكسير الحطب أو الجلوس أمام النار، حتى الرمل المنتشر في كل مكان يسرق مني أي شعور بالفرح".

- آثار نفسية عميقة

تقول الأخصائية النفسية والاجتماعية نيبال حلس: إن "العيش في الخيمة يترك آثارًا نفسية واجتماعية قاسية على النساء، مؤكدةً أن الظروف الحالية تتجاوز قدرة التحمل الإنساني".

وتضيف: "نساء كثيرات يخبرننا يوميًا بأنهن لا يجدن الوقت أو الجو المناسب لتمشيط شعورهن، فكيف بالمكياج أو الاهتمام بالنفس؟ الحرب سلبتهن أولويات الحياة الأساسية".

- لا مكان آمن للنساء

كانت ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة ماريس غيمون، قد أكدت في مدونة لها أن "النساء في غزة جائعات ومنهكات ومريضات، ومع ذلك يحافظن على تماسك الأسر رغم الخوف المستمر والفقدان".

وقالت: "أكثر من عشرة آلاف امرأة فقدت حياتها، وأكثر من ستة آلاف أسرة فقدت أمهاتها، ونحو مليون امرأة وفتاة فقدن منازلهن وأحباءهن وذكرياتهن، غزة هي أكثر من مليوني قصة فقدان".

وتابعت: "تسعة من كل عشرة أشخاص نازحون، ونحو مليون امرأة وفتاة نزحن ما لا يقل عن خمس مرات دون مال أو متعلقات، ولا يعرفن إلى أين يذهبن أو أين يعشن".