بقلم: بشار دراغمة
في قلب نابلس، تحت قبة الليل الفلسطيني، يرتفع صوت الغضب الشبابي ليحاكي جدران المدينة العتيقة، أما داخل "قبر يوسف"، فتدور أحداث تشبه فصولاً من دراما مسرحية، رؤوس حاخامات تمسك بأسفار التوراة، وجنود يحرسون مكانًا يزعمون أنه ملكهم، وعلى الأرض ذاتها، حيث كل حجر يحمل ذاكرة فلسطينية ترفض الروايات الإسرائيلية جملة وتفصيلا.
لم تكن عملية الاقتحام التي تعرضت لها مدينة نابلس الليلة قبل الماضية واستمرت حتى صباح أمس والوصول إلى ما يطلق عليها الاحتلال اسم قبر يوسف، حدثًا استثنائيًا، بل ظل مشهدًا مألوفًا على مدار سنوات خلت، لكن ما أراده الاحتلال هذه المرة هو زيادة حجم التظليل على روايته الدينية بشأن المكان مصطحبًا الحاخام دافيد يوسف في اقتحامه الأول إلى الموقع، برفقة قادة التحريض على قتل وتدمير كل ما هو فلسطيني ومن بينهم يوسي داغان، رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وهي معلومات أكدتها صحيفة "يديعوت أحرنوت العبرية" أمس.
اقتحم المستوطنون المكان تحت غطاء الليل، وفق روايات شهود عيان، أيقظ المستوطنون شبح المواجهة الذي لم يغب يومًا عن ذاكرة المدينة. كان الحاخام دافيد يوسف، وجهًا جديدًا على مشهد الاقتحامات، يلقي دروسه الدينية بروح الامتلاك المزيف، مؤكدًا أن الوعود الإلهية جعلت من أرض فلسطين "حقًا يهوديًا خالصًا". إلى جانبه، وقف حاخامات آخرون وداغان، وكأنهم يعلنون أن الصلاة المزعومة لا تكتمل إلا بحضور بنادق القتل.
وفي الخارج، كان الشباب الفلسطيني لا يقرأ أسفارًا توراتية، بل بحجارته كان يسجل فصلاً من فصول جديدة في رفضه للواقع المفروض، الحجارة تتحول إلى رسائل، تُلقَى نحو قوات الاحتلال لتؤكد أن هذه الأرض لها أهل لم يرحلوا، ولن يغيبوا.
القبر، الذي يزعم أنه مقام النبي يوسف، لا يزال ساحة لصراع لا ينتهي، فالحقائق لأصحاب الأرض تؤكد أن ما يجري محاولة مستمرة لسرقة تراث فلسطيني، بينما الرواية الإسرائيلية تستحضره كأداة لتعزيز السيطرة. وبينما تسكب الكلمات في خطب مشحونة داخل القبر، تسكب الدماء خارجه، كأنما هي اللغة الوحيدة التي لا يختلف على ترجمتها.
لم تنقطع كلمات المتواجدين داخل المقام من الدعوة لقتل الفلسطينيين بكل ما أتيح من وسائل وهو حديث جاءت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تداولت ما جاء من كلمات تحريض ضد الفلسطينيين من قلب نابلس.
"نحن هنا لأنه لنا"، بهذه الكلمات تحدث الحاخام دافيد يوسف، كاشفًا نوايا المشروع الاستيطاني الكبير، وكلماته التي حملت بين طياتها نبرة امتلاك صريحة تدل على أن الوجود الإسرائيلي ليس مجرد عبور، بل خطة ممنهجة تعززها صلوات تلقى على وقع بنادق الجنود وصوت الحجارة في الخارج.
وقال الحاخام ذاته: "ليس فقط هذا المكان، بل كل البلاد"، ولم يكن يتحدث عن مواقع "مقدسة" فقط، بل عن مشروع ممتد يستهدف كل شبر من أرض فلسطين.
هذه التصريحات، المغلفة بدعوات دينية، تثبت أن السياسات الإسرائيلية ليست سوى انعكاس لعقيدة تكرس قتل الفلسطينيين، وتلبس جرائم الاحتلال ثوبًا دينيًا يشرعن قتل الإنسان واستباحة المكان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها