بقلم: زهير طميزة

في الوقت الذي دمرت فيه آلة الحرب الإسرائيلية العملية التعليمية كليًا في قطاع غزة، فإن العملية التعليمية خاصة الجامعية في الضفة الغربية المحتلة لم تسلم من آثار حرب الإبادة التي انعكست على جميع مناحي الحياة.

عائشة طالبة سنة ثالثة في إحدى جامعات بيت لحم، اضطرت لتأجيل الدراسة هذا الفصل بسبب عدم القدرة على دفع القسط الجديد بعد تراكم أقساط العام الماضي، فمنذ اندلاع الحرب فقد والدها العامل مصدر دخله، وحتى المواصلات أصبحت عبئًا يثقل كاهل الأهل، بعد أن تضاعفت تكاليفها في ظل الإغلاقات وارتفاع نسبة المخاطرة بسبب الطرق البديلة واعتداءات جنود الاحتلال والمستوطنين، وهو ما دفع زميلها عامر إلى تأجيل الفصل الدراسي أيضًا.

آلاف الطلبة من زملاء عامر وعائشة في مختلف جامعات الضفة الغربية، استنكفوا أو اضطروا للتأجيل أو لم يتوجهوا أصلاً إلى التعليم الجامعي بسبب عجز ذويهم عن تحمل تكاليف التعليم. كما لم يعد من السهل على الآباء توفير بدل إجار لسكن أبنائهم الطلبة الذين يدرسون في محافظات غير التي يسكنونها.

يقول أمين سر اتحاد نقابات العاملين في الجامعات ورئيس نقابة العاملين في جامعة الخليل، د. موسى عجوة: إن "قرابة ثلث الطلاب في جامعات الضفة لجؤوا إلى التأجيل، كما انخفضت أعداد الملتحقين بالجامعات بنسبة تقارب الـ 30% عنها في الأعوام التي سبقت الحرب".

وأضاف: تأثير الحرب طال كل فئات المجتمع، حيث فقد معظم المواطنين مصدر دخلهم كليًا أو جزئيًا، ما أدى إلى عجز الطلبة عن تسديد الأقساط، لذلك تقوم الجامعات، حسب د. عجوة، بجدولة الأقساط بهدف الحفاظ على حق الطالب في التعليم لكنها ديون تتراكم على الأهل، كذلك هناك صندوق الطالب الفقير الذي توسع نطاق عمله لخدمة المزيد من الطلبة، كما يشارك عدد من المحسنين في تسديد أقساط بعض الطلبة خاصة أقربائهم ومعارفهم.

- الأزمة تطال الأساتذة والعاملين في الجامعات

ويضيف د. عجوة: إن "بعض الجامعات تدفع بين 70%- 80% فقط من رواتب أساتذتها وموظفيها بسبب الأزمة المالية والاقتصادية الناجمة عن ظروف الحرب، لكن باقي المستحقات تتراكم كديون على هذه الجامعات التي ستقوم بتسديدها عند انفراج الأزمة"، مشيرًا إلى أن عدد العاملين في جامعات الضفة الغربية يناهز الـ 12800 بين أكاديمي وإداري وموظف. 

من جانبه قال عميد شؤون الطلبة في جامعة بيت لحم، د. محمد عوض: إن "آثار الحرب انعكست على أداء الطلبة وقدرتهم على الوصول إلى الجامعة بسبب الإغلاقات والحواجز والاعتداءات المختلفة التي يتعرضون لها"، مشيرًا إلى أن أعداد الطلاب الذين يطلبون مساعدة ارشادية ونفسية واجتماعية تضاعفت بسبب الحواجز والاعتداءات التي يتعرضون لها ومشاهد المجازر التي يرتكبها الاحتلال يوميًا، كما تطال هذه الانتهاكات الأساتذة أيضًا.

- التعليم الالكتروني "أضعف" جودة التعليم الجامعي

بدوره اعتبر مسؤول العلاقات العامة والدولية في جامعة فلسطين الأهلية، جريس أبو غنام، أن أبرز آثار الحرب ظهرت في الاضطرار إلى اللجوء إلى التعليم الالكتروني أو المدمج، الذي حرم الطالب من تجربة الحياة الجامعية الاجتماعية والثقافية والسياسية والتي تعد جزءًا أساسيًا من جوانب التعليم المتعلق بتنمية شخصية الطالب.

وأضاف: فالطالب الذي عانى من التعليم الإلكتروني خلال أزمة كورونا في المدرسة، عاد ليعاني نفس التجربة في الجامعة مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم العالي في فلسطين. وهو الأمر الذي أكد عليه د.عجوة بالقول: "التعليم عن بعد يعني بعدًا عن التعليم، فالتعليم الوجاهي في فلسطين مكون أساسي من الهوية الوطنية".

من جانبه اعتبر رئيس مجلس اتحاد الطلبة في جامعة القدس المفتوحة معتز مزهر، أن الاعتداءات الاحتلالية لم تقتصر على الجوانب المالية والاقتصادية بل طالت حياة الطلبة والأساتذة بشكل مباشر، حيث استشهد وأصيب العديد من الطلبة والأساتذة فيما تم اعتقال آخرين، كما تزايدت أعداد الذين طلبوا مساعدات نفسية واجتماعية ناهيك عن الاقتصادية، فيما تعرضت مبان ومقرات العديد من الجامعات للاقتحام أو الانتهاك من قبل قوات الاحتلال بشكل أو بآخر.

- الوزارة وادارة الجامعات في مواجهة الأزمة

وقال الناطق باسم وزارة التربية والتعليم العالي، صادق الخضور: إن "الوزارة عملت على توسيع عمل صندوق أقراض الطالب وعقدت اتفاقيات مع الجامعات لتقسيط المستحقات المترتبة على الطلبة أبناء المعلمين والموظفين في وزارة التربية والتعليم، على أن تدفعها الحكومة لاحقًا من مستحقاتهم المتراكمة، وذلك بهدف الحد من عمليات التأجيل والسحب التي يلجأ اليها الطلبة لأسباب مالية".

وأضاف: عملت ادارات الجامعات على جدولة الأقساط وتجزئتها ووفرت عدة انواع من المنح، وسمحت بتراكم الديون على الطلبة بهدف الحفاظ على سير العملية التعليمية قدر الإمكان، فيما عمدت جامعة القدس المفتوحة إلى عقد اتفاقيات مع بعض المؤسسات لتسديد بعض الديون المتراكمة على الفئة الأكثر تضررًا من بين طلبة الجامعة. 

وحسب أمين سر اتحاد نقابات العاملين في الجامعات، تتطلب مواجهة الأزمة تضافر كل الجهود بدءا بتفعيل مجلس التعليم العالي، وتسديد جزء من مستحقات الجامعات لدى الحكومة التي اوقفت مساهمتها في دعم الجامعات منذ عهد حكومة الدكتور سلام فياض عام 2008.

كذلك طالب د. عجوة القطاعين الحكومي والأهلي بالتعاون مع الحكومة من أجل ايجاد مخرج للأزمة التي تطال مستقبل العملية التعليمية. 

ويُذكر أن عدد الطلاب الجامعيين في الضفة الغربية يتجاوز 112 ألف طالب وطالبة موزعين على قطاعات التعليم العالي الثلاثة: الجامعات الحكومية، والأهلية العامة، والجامعات الخاصة.