بقلم: الحارث الحصني
كانت فسحة اللهو عند أطفال سليمان مليحات كبيرة أمام منزله في عرب المليحات بالمعرجات شمال غرب مدينة أريحا بالأغوار الجنوبية، لكن منذ أسبوع بدأ الأطفال يستشعرون انحسار في تلك المساحة.
مليحات شاب يقيم مسكنه بمحاذاة مسكني والده موسى وشقيقه محمد، اللذين غادرا المنطقة منذ شهر تقريبًا لينأيا بنفسيهما ومواشيهما عن هجمات المستعمرين والاحتلال عليهما.
قال مليحات: "لقد وضع المستعمرون سياجًا شائكًا بين مسكني ومسكنيّ والدي وشقيقي".
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة، وما رافقته من قفزة كبيرة في اعتداءات المستعمرين، وضع المستعمرون علامات حديدية لتسييج مزيدٍ من الأراضي الرعوية القريبة من مساكن المواطنين في المنطقة، وقبل أسبوع وضعوا سياجًا على تلك العلامات بين المنازل وفصلوها عن بعضها البعض.
وأطلق مليحات على ما يحدث وصفًا دقيقًا ومعبرًا عندما قال: "يريدون تقسيم العرب إلى عربين".
اضطر موسى مليحات ونجله محمد إلى ترك مساكنهم بعد تصاعد اعتداءات الاحتلال والمستعمرين بحقهم طيلة ثلاث سنوات، والرحيل إلى مكان يبعد قرابة عشرة كيلومترات عن مسكنهم، فيما ظل سليمان وعائلته في مسكنه.
والرجل الذي أصابته رصاصة مستعمر عام 2018 في إحدى المناطق الرعوية القريبة من مسكنه، وأحدثت خللاً واضحًا في حركته، أصبح شاهدًا على هجمات المستعمرين التي باتت تحدث ليل نهار.
أصبحت اعتداءات المستعمرين تأخذ نمطًا جديدًا في المنطقة الغورية بعدما اقترب السياج الشائك من مساكن بعض العائلات في المنطقة. يقول مليحات: "هذا شيء جديد وخطير، نحن نفقد مزيداً من الأمل بالبقاء".
والأصوات التي تخرج من المنطقة تجمع على أن الهدف هو دفع مزيدًا من العائلات على ترك مساكنها والرحيل بعيدًا.
وفي تقرير بعنوان "عنف المستوطنين.. عنف الدولة" على الموقع الإلكتروني لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، جاء فيه: "يشمل عُنف المستوطنين الضرب ورشق الحجارة والتهديد والوعيد وإحراق الحقول وإتلاف الأشجار وشتّى المزروعات وسرقة الثمار واستهداف المنازل وتخريب السيّارات وإغلاق الطرق وإطلاق النّار، وفي حالات نادرة القتل أيضا".
وأضاف التقرير: "يطرد مستوطنو "المزارع" الاستيطانيّة الرّعاة والمزارعين الفلسطينيّين من حقولهم ومن المراعي ويُبعدونهم عن مصادر المياه التي اعتادوا الاستفادة منها جيلاً وراء جيل، وفوق ذلك يقومون باستفزازات يوميّة بقصد خلق مناوشات عنيفة، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيّرة لتدب الذعر بين مواشي الفلسطينيّين وتسبّب فرارها وتشتيتها".
يقول تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الشهري: إن "قوات الاحتلال نفذت الشهر الماضي 1130 اعتداء، فيما نفذ المستعمرون 360 اعتداء".
قبل أيام، وضع المستعمرون سياجًا شائكًا حول مسكن سليمان مليحات بطول 50 مترًا، ثم عاد المستعمرون ذاتهم، الليلة الماضية، وأكملوا السياج الآخر بذات الطول.
وبالنسبة لمليحات، يرى أن الوقت ينفذ جديًا في تدارك "المصيبة" كما وصفها، قائلاً: "لقد بات الاستعمار داخل مساكننا".
وتسود في التجمع الغوري نظرة سلبية إلى أبعد حد عن مستقبل المنطقة.
وتقول ناشطة مهتمة بتوثيق انتهاكات المستعمرين والاحتلال في المعرجات، عالية مليحات: "نحن نشهد تهجيرًا قسريًا للعائلات من المنطقة".
يكرر سليمان كلامُا مشابهًا، عندما قال بلغة هادئة: إن "شقيقه ووالده غادرا المنطقة بسبب عدم تحملهما اعتداءات المستعمرين ضدهم".
وخلال الأشهر الماضية تركت عائلات أخرى المنطقة بسبب اعتداءات المستعمرين ضدهم، ورحلت إلى أماكن أكثر أمنًا.
في المعرجات، الواقعة بمحاذاة الطريق السريع، صارت العائلات الفلسطينية تمتلك سجلاً ضخمًا من انتهاكات المستعمرين القادمين إليهم من إحدى البؤر الاستعمارية القريبة من مساكنهم.
وبالنسبة لسليمان فإن فكرة وضع السياج الشائك بين مساكن المواطنين ليست وحدها الأمر المخيف في الموضوع، بل يحمل في ظاهره رعبًا في نفوس الأطفال.
ويتساءل سليمان: "عندي 8 أطفال كيف يتحركون بأريحية بين هذا السياج".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها