بقلم: جميل ضبابات

صبيحة يوم الجمعة الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، فر نحو 30 شخصًا من حقل زيتون قرب قرية قصرة جنوب نابلس في الضفة الغربية، لتخليص أنفسهم من هجوم متوقع لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين.

كان كل هؤلاء وهم عائلات من القرية في منطقة يسمونها الروماني (نسبة إلى روما القديمة التي ينسب إليها شجر الزيتون المعمر)، وبعد مضي نحو ساعتين من شروعهم في جمع المحصول، وصل التهديد من قوات الاحتلال وما يسمون "حراس" المستعمرة القريبة بضرورة المغادرة.

قال عبد العظيم وادي، وهو واحد من هؤلاء الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم في تلك المنطقة: "لم نكمل اليوم، أجبرونا على المغادرة وانتقلنا إلى أماكن أخرى للعمل".

وينتظر الفلسطينيون غالبًا وصول تصاريح "خاصة" أصبحت أمرًا تقليديًا لدخول أراضيهم، القريبة من المستعمرات أو المعزولة خلف جدار الفصل العنصري، لكن تلك التصاريح لم تشكل يومًا أساسًا لسهولة دخولهم إلى حقولهم ولا ملاذًا لهم من هجمات المستعمرين.

أخبر وادي وهو يعمل في حقل له قرب مستعمرة "مجدوليم": "هذا العام عرضوا علينا خرائط تمنعنا من دخول مناطق واسعة مزروعة بالزيتون".

ويصل المزارعون إلى حقولهم في ساعات الصباح الباكر، ويعملون طيلة النهار، إلا أن عملهم هذا العام تحت وطأة الخوف جعل من أيامهم جحيمًا لا يطاق، فعائلة وادي التي اعتادت أن تعيش أيامًا في الحقول خلال موسم يمتد نحو شهرين، بدأت تعمل بأسلوب آخر وهو السرعة دون الالتفات إلى تفاصيل الحياة اليومية، إذا توقفت عن إعداد الشاي والطعام، حفاظًا على مساحة الوقت المتاحة أمامهم تحت خوف شديد من هجوم محتمل.

وعلى مدى ثلاثة عقود، حصلت الكثير من حالات القتل في الحقول. كان المستعمرون يستغلون موسم الزيتون لمهاجمة المزارعين في الحقول.

ذاتها قصرة، تعرضت لهجمات مماثلة اصيب وقتل عدد من سكانها بسبب هجمات المستعمرين. وبدأ موسم الزيتون هذا أيضًا بمشهد دموي عندما أطلق جيش الاحتلال النار على سيدة قرب جنين، ما أدى إلى استشهادها.

غالبًا ما تجري هجمات المستعمرين في فترة الصباح، في الوقت الذي يصل فيه المزارعون الفلسطينيون الى مزارعهم.

ففي قريوت وهي قرية فلسطينية تقع إلى الجنوب من نابلس، وسط تلال مزروعة بالزيتون، كان عبد الله عزام ضمن نحو 80 نفرًا من بلدته يتهيؤون أيضًا أمس للبدء بقطاف زيتونهم، لكنهم سرعان ما هوجموا من قبل المستعمرين شأنهم شأن قرى كثيرة تعرضت أمس لهجمات مماثلة.

يمتلك الفلسطينيون نحو 150 تجمعًا في شتى أرجاء الضفة الغربية المزروعة بأشجار الزيتون في المنطقة الواقعة بين الخط الأخضر والجدار المقام حول الضفة، وهذه إحصائية صادرة عن مكتب مختص للأمم المتحدة.

ووفقًا لما رصده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في شمال الضفة الغربية، كان إنتاج الزيتون للعام 2023 في المنطقة التي يفصلها الجدار أقل بنسبة 93 بالمائة بالمقارنة مع الإنتاج في المناطق التي يمكن الوصول إليها.

وإلى الغرب من نابلس، تقع رامين، وهي بلدة زراعية تغلب عليها زارعة التين والزيتون، يحاذيها سهل زيتون، تعرض مالكوه إلى هجمات متكررة خلال الأسابيع الماضية.

وتعود أحداث الهجمات الأولى إلى يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حين توجه عادل سلمان هو وبعض أعضاء عائلته إلى افتتاح موسمهم، وتعرض لهم نحو ثمانية مستعمرين من بؤرة مجاورة.

قبل ذلك، وعند غياب عائلة سلمان عن الحقل، جاء المستعمرون وحطموا عددًا من الأشجار. اليوم بعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع عاد الرجل وعائلته مرة أخرى لإكمال قطف الحقل فوصل المستعمرون مرة أخرى. قال الرجل: "أحاطوا بنا من جميع الجهات، تتقدمهم طائرة درون ويحملون العصي وأجبرونا على المغادرة".

وفي المرات السابقة كان المزارعون ينسحبون تحت ضغط من الجيش الذي يرافق المستعمرين أو يلاحقهم بعد وقت قصير من اقتحماهم للحقول، لكن سلمان في نهاية المطاف أصر على البقاء.

ويروي سلمان ماذا حدث في ذلك اليوم، فقد كان في مهمة تنظيف الأرض وصيانتها عندما تعرض للتهديد من قبل المستعمرين، ورفض مغادرة أرضه، فاستعانوا بأفراد من جيش الاحتلال ليحجزوه عدة ساعات.

قال في لهجة يرثي فيها الماضي: أنه "لم يعد يعتني بالأرض كما كان خلال السنوات الماضية".

تعود أصول الهجمات التي يشنها المستعمرون على حقول الزيتون إلى عقود ماضية، حين بدأت تظهر أنوية المستعمرات ومشاريع الاستيطان تقترب من حدود القرى.

قال وادي: إن المستوطنات التي تحيط بأرضه تقترب يومًا بعد يوم من الحقول ومنازل القرى. وتبعد إحدى المستعمرات عن حقل وادي مسافة لا تتعدى عشرات الأمتار، لذلك تبقى العائلات التي تصل إلى الحقول تحت نظر المستعمرين طيلة أيام العمل.

وعلى هاتفه النقال، عرض أحد سكان القرية الذي عزف عن ذكر اسمه، مقاطع من هجمات ليلية وأخرى وقعت في النهار على الحقول.

وعرض مقاطع أخرى للمستعمرين في منطقة أخرى يسرقون الزيتون بعد أن ينتهي المزارعون الفلسطينيون من قطافه.

إن عائلات كثيرة في هذه القرى التي أصبحت خلال العام الفائت في دائرة حصار خانق بعد وضع البوابات الحديدية والحواجز العسكرية الإسرائيلية تنتمي بشكل محدد إلى الزيتون كمهنة دائمة، وهوية وطنية، وهي سمة عامة تتسم بها الكثير من قرى الضفة الغربية.

قال عزام: إن قريوت بلدة تعيش من الزيتون.

قبل أيام وصل عزام وآخرون من قريتهم لتفقد حقول زيتون في الجهة الجنوبية من البلدة بعد عام كامل من الغياب عن الحقول، فوجدوا ما حسبوا حسابه دائمًا.

لقد قطع المستعمرون أشجار الزيتون المعمرة.

قال الرجل: "استفردوا خلال الأشهر الماضية بالحقول وقطعوها" في إشارة منه إلى الظروف الصعبة السائدة في المنطقة، والتي منع بسببها جيش الاحتلال المزارعين من تفقد أراضيهم.