بقلم: ميساء بشارات

في قلب البلدة القديمة بمدينة نابلس، بزغت فكرة بسيطة تحمل في طياتها روح التكافل والتعاضد بين أبناء المجتمع، حيث أطلقت الشابة حنين نعيرات (23 عاماً)، مشروعًا إنسانيًا حمل اسم "بنك الملابس".

ولدت الفكرة لدى حنين من رحم التحديات الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الفلسطينيون، بهدف مساعدة الأسر الفقيرة والمحتاجة، عبر توفير ملابس مجانية تُجمع من تبرعات المواطنين.

بدأت فكرة "بنك الملابس" عندما لاحظت الشابة حنين أن العديد من العائلات تمتلك كميات كبيرة من الملابس غير المستخدمة والتي يمكن الاستغناء عنها، سواء كانت جديدة أو استخدمت وما زالت بحالة جيدة، في الوقت الذي يعاني فيه آخرون من عدم قدرتهم على شراء ملابس جديدة بسبب ضيق الحال.

ترتب حنين ما جاءها من ملابس بعناية داخل غرفة اقتطعتها من منزلها، تقول: "الفكرة جاءت من حاجة ماسة لاحظتها في مجتمعنا، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون بصمت، فلا يستطيعون شراء ملابس لأطفالهم أو لأنفسهم بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ورأيت أنه بإمكاني حل جزء من هذه المشكلة من خلال تبادل الملابس التي لم نعد بحاجة إليها مع من هم بحاجة إليها بالفعل بشرط أن تكون الملابس جيدة، مثلما تقبل على نفسك إقبلها لغيرك.

وتنشر حنين فكرتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويقوم "بنك الملابس" بجمع التبرعات من العائلات التي ترغب في التبرع بالملابس الزائدة عن حاجتها، بوضعها في نقاط استلام حددتها حنين بالتعاون مع زوجها، الداعم الأول والمساند لها بكل خطوة من مشروعها الخيري القائم على إفادة الناس والتيسير عليهم، من ثم تجمع الملابس وتقوم حنين بفرزها وترتيبها قبل مجيء بعض العائلات المحتاجة لاختيار ما يلزمهم ويناسبهم منها،  حيث يمكن لأي شخص محتاج أن يأتي ويختار الملابس التي تناسبه دون أي إحراج أو قيود مقابل مبلغ بسيط جدًا، تنفقه حنين لتغطية تكاليف النقل وبعض التكاليف التشغيلية.

كما عملت حنين على إنشاء شبكة تطوعية تضم شابات من المدينة، يقومون بالمساعدة في جمع وفرز الملابس، وتنظيم حملات دورية للتبرع، وأكدت أن العمل في "بنك الملابس" يعتمد على الثقة والتكافل بين أفراد المجتمع، حيث أن الهدف الأساسي هو تعزيز التضامن الاجتماعي وتقليل الفجوة بين الفقراء وغيرهم.

لم يكن الطريق سهلاً أمام الشابة حنين لتأسيس مشروع "بنك الملابس"، فقد واجهت العديد من الصعوبات مثل إيجاد مكان مناسب لتخزين الملابس، فكان في جزء من منزلها، لحين إيجاد مكان آخر يسهل على الناس الوصول إليه.

تقول حنين: "الفكرة إنسانية دعمني بها زوجي ووالدي المحبين للخير، ولا يوجد رأس مال لدينا ولا نقبل التبرعات النقدية، في المقابل إيجار المخازن بمدينة نابلس مرتفع جدًا، ولا نستطيع تغطية تكاليفه، كما أن هناك مبالغ تدفع لقاء توفير وسائل لنقل الملابس من نقاط تجميعها من الناس لمكان عرضها".

وتواصل حنين الأم لطفلتين، جهودها بحماس، حيث تأمل في توسيع نطاق المشروع ليشمل مناطق أخرى من الضفة الغربية، وتسعى مستقبلاً لتوسيع فكرة التبرع لتشمل أدوات منزلية وكتبًا وألعابًا للأطفال.

وتقول الشابة حنين: بأنها "تحلم  بأن يصبح لديها شبكة واسعة من بنوك الملابس في كل مدن فلسطين، كي تساعد أكبر عدد ممكن من المحتاجين، وتعزز فكرة التشارك والعطاء بين أفراد المجتمع، فالملابس ليست مجرد حاجة مادية، بل هي جزء من كرامة الإنسان".

وتتابع وهي تتفقد جودة الملابس المتبرع بها وترتبها حسب الأعمار: بأن مشروع "بنك الملابس" أكثر من مجرد مشروع خيري، إنه جسر من التضامن والتكافل بين أبناء المجتمع الفلسطيني، ويعكس رغبة العديد في صنع التغيير الإيجابي من خلال مبادرات بسيطة ولكنها مؤثرة تخدم المجتمع وخاصة الفئة الفقيرة والمحتاجة في أصعب الظروف التي نمر بها.

وتطمح حنين بأن يكون المشروع مستدامًا، ومثالاً يحتذى به في مدينة نابلس وقراها، وأن يتوسع ويصل إلى شريحة أكبر من المحتاجين والمتبرعين.