أحاول أن أجد وأفسر الأسباب الكامنة وراء العنجهية والاضطهاد والتدمير والقتل والحصار، من قبل دولة الاحتلال من خلال مفهوم الدول الطبيعية والدول المرتزقة والوظيفية، وهناك دول ومنظمات وجماعات أيضًا ذات تأثير وذات طبيعة أخرى، ذات مسميات. فالدولة الطبيعية هي التي تنشأ استجابة لمتطلبات الشعوب واحتياجاتهم في حدود الجغرافيا والتاريخ، وتنهض بشكل عضوي وتلقائي، فكل فرد من أفراد هذه الدولة يسعى من أجل الحفاظ عليها، ومن أجل رفعتها ومكانتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والدولة الحرة الطبيعية هي الدولة التي تنشأ بإرادة شعبها، لتعكس هوية الشعب وثقافته وتراثه، وحماية مصالحه، ولها سيادة مستقلة. وتستمد قوتها من الحاضنة الشعبية، أبناء هذه الدولة والمجتمع التي تمثله.
الدولة الطبيعية تهتم بالنمو الاقتصادي، والاجتماعي، والحضري، وتقيم التفاهمات، والصداقات، وتبني العلاقات الإنسانية، والدبلوماسية، وإقامة حسن الجوار مع الدول المجاور والبعيدة من أجل التكامل، والتنافس للأفضل، وتجد مكانتها الطبيعية بين الشعوب والأمم، وهي أكثر دول وبلدان العالم.
وأهم سمات الدولة الطبيعية أنها تحمل مشروعًا وطنيًا يحقق أهداف الشعب ويخدم مصالحه وتطلعاته التنموية والسيادية، ويعزز الانتماء الوطني، ويصون الهوية والتاريخ، ويحافظ على الأمن القومي، ويحقق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولعل القرار المستقل أبرز معالم تلك السمات، النابعة من القرار الوطني المستقل.
وهنا يمكن القول أن الشعب الفلسطيني، تعرض للكثير من المقاربات في مسيرته الطويلة للهيمنة على القرار الفلسطيني المستقل، وتعرض لأبشع المحاولات والاستفزازات ودفع من دمائه، وخيرة أبنائه الكثير من الشهداء في الحفاظ على استقلالية القرار، وأن ما يتعرض له شعبنا اليوم من تدمير وقتل وقرصنة لمقدراته هو ثمن ذلك القرار المستقل.
في المقابل وجدت أن التفسير الوحيد لما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، وتلك الممارسات العدوانية والهمجية ضد الشعب الفلسطيني أن هذا الكيان هو دولة وظيفية، وجدت لإبقاء العالم العربي منقسمًا، مفتتًا، يعاني اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا ولا يمكن لوجوده أن يلتئم ولا بأي صورة من الصور. وهي تعمل بمخالبها وأدواتها نيابة عن الاستعمار العالمي لاخضاع دول وشعوب المنطقة لإرادة الاستعمار، بمعنى أن دولة الكيان لو أنها أرادت أن تكون دولة طبيعية، لعملت واجتهدت على ايجاد مكانة لها في الشرق الأوسط مبنية على الاحترام المتبادل، والتكامل وحسن الجوار. لكن النمط الذي عملت عليه هو فرض الهيمنة والسيطرة، والتدخل في شؤون الآخرين، والقرصنة التي تعمل على ديمومة هذا الاحتلال. وهذا النموذج الذي استخدمته في قطاع غزة، ومناطق أخرى في العالم العربي، حيث عملت على خلق بيئة طاردة للعيش الآدمي من أجل خلق حالة جديدة من الاحلال في تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على ممتلكاتهم، وأسرلة قطاع غزة، وأجزاء واسعة من الضفة الغربية من خلال إقامة المستوطنات وغيرها من المشاريع الإسرائيلية والدولية المقترحة. كل تلك المقترحات، هي مشاريع ذات طابع تخدم أهداف الكيان الصهيوني، منذ اعتلاء الرئيس الأميركي ترامب البيت الأبيض، والتصريحات التي أدلى بها بشأن غزة، وفي الحقيقة هي مشاريع أعدت في أروقة تل أبيب منذ نشأة الكيان الصهيوني. فبتنا نسمع تهديدات ووعود وأن الاحتلال سيعمل على تطبيق مشروع ترامب بخصوص غزة، ولربما غدًا بخصوص الضفة الغربية أو مصر أو سوريا أو لبنان أو الأردن، فالأطماع الإسرائيلية في كل الجغرافيا بلا حدود. من المفهوم أن إسرائيل لا يمكن لها أن تحتل مساحات واسعة من الجغرافيا بسبب العامل البشري الذي لا يستطيع أن يغطي تلك الجغرافيا، ولكن تصبح كل تلك المناطق مناطق نفوذ للاحتلال الإسرائيلي.
غياب المشروع العربي السياسي، هو السبب الرئيسي في ضعف مواجهة الهيمنة الإسرائيلية. لا ينقص العرب مقدرات للنهوض والوجود، العرب يمتلكون مقدرات ضخمة ذات قوة استراتيجية تمكنهم من إعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة، ولو من باب المصالح المشتركة، لا الدول تبني علاقاتها على المصالح أكثر من العواطف التي لا تحد مكانًا في الساحة الدولية. بينما تجد أن إسرائيل لديها مشروع خطير ألا وهو الاستيطان الاحلالي، أينما تطئ أقدام المستوطنين تبدء أسرلة تلك الأراضي وإقامة البؤر الاستيطانية عليها.
الذي ينقص العرب هو الإرادة السياسية التي من الممكن أن تضعهم على الخارطة الأممية، وتواجه المشاريع الاستعمارية والمحاور المختلفة التي تهدد العالم العربي، ولديها من المقومات ما يسندها ويشد من إزرها.
تلك المخاطر والتحديات التي تهدد المشروع العربي وسيادته، والذي ينطبق على الدول أيضًا ينطبق على الجماعات والأفراد والمنظمات هناك أيضًا من يأتي كالدواعش مثلاً، كجهة حاولت أن تعبث وتعصف في سلامة وأمن الكيان العربي. وأينما وجدت أجسامًا غريبة تنمو وتترعرع وتحاول الانقضاض على الوحدة الوطنية، ويرفض أن يلتقي، ويلتئم تحت علم واحد وهدف واحد فهذا يعني أن هناك غزوًا فكريًا وثقافيًا يلوح في الأفق ويجتاح الدول ويهدد سلامة النظام والاستقرار فيه، إنهم كيانات تريد أن تعبث بمكونات ومقدرات الدولة ومفهومها السياسي.
الشعب الواحد في كافة طوائفه، وميوله ورغباته يعمل في مسار واحد، ويلتقي على هدف واحد ويحاول أن يجد محددات اللقاء، أكثر من تلك التي تفرق وحدتهم، وصفوفهم وكلمتهم. والعبث في نقائها وسيرورتها هو استهداف لشأنها ومقوماتها، وهي إلى زوال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها