في خضم الجدل السياسي والإعلامي المستمر حول هوية الحاكم الفعلي لقطاع غزة قبل سيطرة حركة حماس عليه عام 2007، تبرز حقائق تاريخية لا يمكن تجاوزها. الحقيقة الواضحة أن السلطة الوطنية الفلسطينية، المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، كانت هي الجهة الشرعية التي تدير القطاع، وليس حركة "فتح" كتنظيم سياسي. فهل كان بيد فتح إصدار جوازات السفر؟ وهل كان السجل السكاني للقطاع تحت إدارتها؟ هل كانت المحاكم وسلطة القضاء خاضعة لها؟.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تكشف بوضوح أن إدارة غزة لم تكن بيد حركة "فتح"، بل بيد السلطة الوطنية الفلسطينية بمؤسساتها وأجهزتها الرسمية، المعترف بها دوليًا. فالسجل السكاني، عمليات المال والبنوك، المعابر، وتنظيم السفر كانت جميعها مسؤوليات السلطة، وليس أي فصيل سياسي بعينه. كما أن المحاكم كانت خاضعة للنظام القانوني الفلسطيني الرسمي، ولم يكن لفتح كتائب مسلحة أو سلطة رسمية على هذه المؤسسات.
إذن، لماذا يتم الترويج لروايات مشوهة تزعم أنه "لا فتح ولا حماس" كانت تحكم غزة؟ ولماذا يردد البعض – بمن فيهم بنيامين نتنياهو – هذه المغالطات؟ إن الخلط بين فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية مقصود، بهدف إضعاف الشرعية الفلسطينية وتشويه الحقائق.
الخطأ التاريخي الذي ارتكبته السلطة الوطنية الفلسطينية بعد انقلاب حماس هو الاستمرار في تسيير الشؤون الحياتية لأهل غزة، رغم سيطرة مليشيا حماس على القطاع. فقد كان من المفترض أن يكون الموقف أكثر صرامة تجاه هذا الوضع، بدلاً من التكيف معه، وهو ما أدى إلى تكريسه حتى اليوم.
إن الحديث عن بدائل غير السلطة الوطنية الفلسطينية لإدارة غزة – سواء عبر لجان، مخاتير، أو أي كيانات أخرى – ليس إلا طرحًا ساذجًا وغير قابل للتطبيق. فلا يمكن لأي جهة حكم قطاع غزة إلا من يملك الشرعية السياسية والدولية، وهي السلطة الفلسطينية، وليس أي مليشيا أو قوة أمر واقع.
إن الاستمرار في تجاهل هذه الحقائق لن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التيه السياسي والانقسام الداخلي، وهو ما يخدم أعداء القضية الفلسطينية بالدرجة الأولى.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها