أمام استمرار خروقات اتفاقات التهدئة الموقعة بين الأطراف اللبنانية والفلسطينية مع الكيان الصهيوني وبالرعاية الأميركية، وأمام استمرار تصاعد العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة وجنوب لبنان، و استمرار دفع الأوضاع نحو حافة الهاوية، واحتمال إعادة تفعيل العمليات العسكرية في قطاع غزة وجنوب لبنان، وأمام الرفض الإسرائيلي، للخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، وإصراره على تنفيذ خططه في تهجير السكان من قطاع غزة، قسريًا إلى مصر والأردن كجزء من مخطط إسرائيلي- أميركي لتصفية القضية الفلسطينية ديموغرافيًا، كل ذلك يدفع العديد من المراقبين والمحللين الاستراتيجيين إلى طرح هذا التساؤل الخطير والهام، الذي يضع المنطقة أمام احتمالات خطيرة قد تصل إلى حد المواجهة الإقليمية الواسعة، وربما تؤدي إلى حرب عالمية جديدة.
مصر والتدخل المحتمل في ظل تصاعد العدوان، لأن مصر بحكم الجغرافيا والمسؤولية التاريخية، لا يمكنها القبول بعملية تهجير قسري للفلسطينيين من قطاع غزة إلى أراضيها، إذ يُمَثِل ذلك تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ويخالف التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية.
إذا استمر الاحتلال في الضغط باتجاه تنفيذ هذا المخطط، فقد تجد مصر نفسها مضطرة إلى التدخل العسكري في غزة، ليس فقط لحماية الفلسطينيين، بل أيضًا لمنع تحول سيناء إلى بؤرة للصراع الديموغرافي والسياسي.
الأطراف الإقليمية الأخرى ومواقفها، في حال نشوب مواجهة مصرية- إسرائيلية، لن تبقي الدول المحيطة بعيدة عن المشهد. فالأردن الذي يواجه تهديدًا مشابهًا، قد ينخرط عسكريًا وسياسيًا لمنع تهجير الفلسطينيين إلى أراضيه.
كما أن لبنان، حيث حزب الله المدعوم من إيران، قد يجد في هذه التطورات فرصة لتوسيع جبهة المواجهة مرة أخرى مع إسرائيل، مما قد يدفع تل أبيب إلى رد فعل عسكري قد يشمل دمشق وطهران وغيرها.
وأيضًا سوريا التي لا تزال تعاني من آثار الحرب، قد تنجذب إلى الصراع عبر دعم العمليات ضد إسرائيل، خصوصًا إذا استُهدفت مواقعها من قبل الطيران الإسرائيلي.
كذلك العراق الذي يضم فصائل مقاتلة مرتبطة بإيران، قد يستخدم نفوذه لفتح جبهات ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
تركيا أيضًا، رغم علاقتها المعقدة مع إسرائيل، قد تستغل التصعيد لتعزيز نفوذها ودورها الإقليمي، عبر دعم سوريا وقطاع غزة سياسيًا ولوجستيًا.
في المقابل، إيران التي تعتبر المواجهة مع إسرائيل جزءًا من استراتيجيتها الإقليمية، قد تزيد من تسليح حلفائها، مما يهدد بتوسيع رقعة ونطاق القتال ليشمل مساحات جديدة وأوسع نطاقًا.
وهذا يجعلنا نتساءل، إذا كان التدخل الدولي، سيقود إلى حرب عالمية ثالثة؟ سؤال يصبح على درجة عالية من الاحتمالية والأهمية، في ظل انخراط العديد من القوى الإقليمية، قد تجد الولايات المتحدة وبريطانيا نفسيهما مضطرتين لدعم إسرائيل عسكريًا، مما قد يدفع روسيا إلى استغلال الفرصة لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، والوقوف إلى الجانب المصري والأردني خاصة والعربي بشكل عام، خاصةً مع التوترات المستمرة بين موسكو وواشنطن.
إذا تصاعدت الأمور على هذا الأساس، قد تتحول المواجهة من صراع إقليمي إلى صراع عالمي تتداخل فيه حسابات القوى الكبرى، وسط تصعيد اقتصادي وعسكري يهدد الاستقرار الدولي.
إذاً العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ليس مجرد نزاع محلي أو إقليمي محدود، بل قد يكون هو الشرارة التي قد تشعل مواجهة عسكرية أوسع تمتد من الشرق الأوسط إلى الساحة الدولية.
إن أي تصعيد غير محسوب من جانب الكيان الصهيوني، قد يحول المنطقة إلى ساحة حرب كبرى، تتشابك فيها المصالح الجيوسياسية المختلفة، مما يجعل من التهدئة ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية أمر ضروري وملح، ويقع فرضه على عاتق الولايات المتحدة أكثر من غيرها، وتصبح التسوية السياسية الشاملة والنهائية في هذه الحالة، على أساس تنفيذ حل الدولتين أيضًا، أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فهل تدرك القوى الدولية ذلك، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ضرورة وأهمية ذلك، والعمل على فرض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل خاص، والعربي الإسرائيلي بشكل عام، كي ينقذ المنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم من إمكانية وقوع حرب عالمية ثالثة ومدمرة، يكون الكل فيها خاسرًا، لأن تداعيتها لن تتوقف عند حدود المنطقة العربية والشرق الأوسط فقط، فهل تدرك؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها