لعل من قواعد الأمان المهمة في السير على الطرق من أجل السلامة وتفادي الخسائر والأرواح هو ترك مسافة أمان بين المركبات، وضع هذا القانون من أجل حماية الناس والحفاظ على ممتلكاتهم وحياتهم. لا يوجد شيء عبثي، فقط المطلوب هو اتباع الارشادات والنصائح من أجل تلك الأهداف. وقس على ذلك العلاقات الأسرية والاجتماعية والوطنية، لتجنب الكثير من المهاترات والحفاظ على النسيج الاجتماعي والوطني. إن ما يدعو إلى التطرق لمثل هذا الموضوع هو التدخلات التي تتبلور اليوم من كل صوب وحدب، نشطاؤها معرفون، عملاؤها معرفون، والأب لهم أيضًا مكشوف. لعلي في عمري هذا وعلى مدى السنوات التي عشتها لم أرى مثل الذي يحدث في مجتمعنا الفلسطيني، وإن كان ليس غريبًا. فالمؤثرات اليوم أصبحت ضخمة نتيجة التقدم في عالمنا الرقمي. الحقيقة ونحن أي الشعب الفلسطيني نمر تحت الضغط الاستيطاني الاحتلالي والذي يعمل ليل نهار في محاولة لديمومة احتلاله، بمعنى أن هذا الاحتلال ومن وراءه الأحزاب الإسرائيلية اليمينية واليسارية متفقة تمامًا على الشأن الفلسطيني، وهو التخلص من الشعب الفلسطيني على الأرض الفلسطينية واحلال المستعمرين المستوطنين مكانهم.

كل هذا يتساقط أمام النضال والصمود الفلسطيني العتيد، وسيقف نضال الشعب الفلسطيني حائلاً أمام سياسات الاحتلال وأهدافه. الحرب الشرسة التي يتعرض لها شعبنا اليوم في كل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وعلى الأخص في المخيمات بعدما أجهز على غزة وشتت أهلها في العراء يلتحفون السماء ويفترشون الأرض تتطلب منا الحرص، وأخذ الحيطة والحذر أمام عدوان جارف يتتبع مخططات تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية.
لكن استفحال الوضع الداخلي الفلسطيني، بداية من الانقسام الذي تسبب بكل ما نحن فيه من ضعف وهوان، لأن التيار السياسي الإسلامي يرفض رفضًا تامًا الانخراط في المؤسسات الوطنية الفلسطينية، وخلق وأعد برنامجًا نضاليًا يديره لوحده بعيدًا عن البرامج النضالية الأخرى، فلم تتوحد بيانات حركة حماس في الانتفاضة الأولى مع نظرائها من الحركة النضالية الفلسطينية، واتخذت لنفسها يومًا مغايرًا لانطلاقة الانتفاضة، وفي الانتخابات التشريعية الأولى رفضت المشاركة فيها تحت ذريعة التخوين والحلال والحرام، ورفض مظلة أوسلو. مجمل الحديث أن أطراف النضال الفلسطيني إن صح القول لم تلتقي على برنامج واحد بالرغم من أن الهدف واحد. وإذا كان هذا اللقاء بمعنى التوحد في حبل من مسد لا يتم هنا فأين سيتم اللقاء؟. في ظل النضال الفلسطيني من أجل الحفاظ على الوجود الفلسطيني، يفترض أن هناك قيادة فلسطينية موحدة بعيدة كل البعد عن المحصصات، لمتابعة المرحلة والتصدي لكل التحديات. الحديث عن انتخابات هي استحقاق وطني بامتياز ونحن بأمس الحاجة إليها في كل المواقع، لكن الانتخابات التشريعية والرئاسية هل من الممكن أن تجرى في ظل هذا المناخ السياسي السائد في الأراضي الفلسطينية؟ هنا يكمن السؤال؟. إسرائيل تمنع إجراء أي انتخابات في القدس على عكس ما تم في انتخابات 2006، وما قبلها، وقطاع غزة شبه مدمر ويخضع إلى حكومة انقلاب 2007، كيف يمكن إجراء انتخابات سياسية مجزوئة واستبعاد القدس وغزة منها؟. أسئلة بحاجة إلى رؤيا جديدة في مسيرة النضال الفلسطيني ويجب أن نجد لها مسارًا وإجابات.

كل هذا واقع، أما ما يستجد اليوم فإننا وللأسف نواجه تحديًا كبيرًا من التحريض السياسي بسبب المناخ السياسي المسموم والمحموم في هذا الوطن الصغير، والكبير بأهله. السبب لا توجد مسافات من الأمان الوطني تحافظ على الموروث الفلسطيني النضالي والسياسي. كل الذي يحدث هو جزء لا يتجزء من المؤامرة والاستهداف للشعب الفلسطيني، ويصب في الفخ الذي نصبه الاحتلال لهذا الشعب، والإبقاء على الانقسام المحموم.
سياسة الأمان الوطني هي التي من المفترض أن تحكم العلاقة الفلسطينية في السلم أو الحرب، والشورى هي الأساس في هذه العلاقة. لا يجوز أن يصادر الفصيل الفلسطيني مهما كان شأن القرار الفلسطيني لجر البلاد والعباد إلى متاهات نحن في غنى عنها سواء للاستئثار في القرار أو إرضاء لطرف غير فلسطيني، ولا توجد مقدس إلى سلامة الوطن والشعب. والكل الفلسطيني مطلوب منه أن يعرف حدوده ودوره المناط به والحفاظ على الثغر الذي يقف عليه فلا يأتين من قبل أحدهم، فهل سنحافظ على سياسة مسافة الأمان الوطنية في كل القضايا والشأن العام، وغير ذلك هي الهاوية؟ ساعتها لا ينفع الندم. الشعب الفلسطيني اليوم في عين العاصفة، وهذا له استحقاقاته، وواجباته.