واضح أن هناك تماهياً كاملاً بين قوى اليمين التلمودي التوراتي الصهيوني، وبين قوى اليمين الأنجليكاني المتطرف في أميركا، وأن أميركا تفكر بعقل إسرائيلي، وترى الأمور فقط بعيون إسرائيلية، وهذا ما تكشفه تصريحات وخطط ترامب وتهديداته ووعيده، وفق ما يعرف بخطته لتهجير سكان غزة، والسيطرة على أرضها وإقامة ما يعرف بـ" ريفييرا الشرق الأوسط"، وكذلك السعي إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ضمن مشروع "الهندستين الجغرافية والديمغرافية" للضفة الغربية، ولتعزيز هذه المشاريع والمخططات، تمارس ضغوط أميركية كبيرة على حلفائها من عرب ما يعرف بمعسكر "الاعتدال"، مصر والسعودية والأردن، من أجل إجبارهم على تحمل تبعيات الاحتلال، وتحمل أعباء إعادة إعمار قطاع غزة.
الدعم الأميركي لإسرائيل، يتجاوز كل الأبعاد العسكرية والسياسية، إلى تزويد إسرائيل، بأحدث الأسلحة المتطورة، بما في ذلك القنابل الموجهة من زنة ألفي رطل، وصواريخ هليفاير الاستراتيجية، وحتى قنبلة "أم القنابل"، والتي تزن 11 طناً.
هذا التماهي بين هذه القوى المتطرفة، يهدف إلى ترميم الهيمنة الإسرائيلية التي تعرضت إلى هزات كبرى بعد السابع من أكتوبر 2023، ودعم مطلق لكل سياسات اليمين المتطرف، واليمين الديني التلمودي التوراتي، بما في ذلك دعم وتأييد ضم الضفة الغربية، وتحويل اسمها إلى دولة "يهودا والسامرة"، وتشريع ذلك عبر قانون في "الكنيست"، حيث أقرت اللجنة الوزارية للشؤون الخارجية والأمنية، هذا القرار بالقراءة التمهيدية، وكذلك هناك مشروع قرار يعرض على الكونغرس الأميركي، لتحويل اسم الضفة الغربية إلى "يهودا والسامرة"، تماهياً مع القرار الإسرائيلي.
هذا التغول والتوحش الأميركي - الإسرائيلي، والذي نشهده على أرض الواقع، عبر التحلل من الاتفاقيات التي كانت أميركا فيها ضامناً على جبهة لبنان، وضامناً ووسيطاً على جبهة قطاع غزة، كل المؤشرات تقول إنها في طريقها للسقوط. فعلى جبهة لبنان، جرى توافق أميركي- إسرائيلي، على استمرار احتلال إسرائيل، لخمس تلال استراتيجية لبنانية، تل اللبونة وتل العويضة وتل الحماميص وتل العزية وتل جبل بلاطة، وفي قطاع غزة الاتفاق يترنح، العدوان مستمر ومتواصل، ولا التزام بشروط الاتفاق، لا بروتوكول إنسانياً نفذ، ولا معدات ثقيلة دخلت، ولا منازل متنقلة ولا خيام، ولا انتظام في خروج الجرحى والمرضى، ولا شاحنات مساعدات إنسانية تدخل بالعدد المطلوب، ناهيك عن الخروقات غير المتوقفة في التدمير والقصف وتحليق الطيران والاعتداءات المتعددة.
قلنا أن أميركا في عهد ترامب، متماهية تماماً مع إسرائيل، فأميركا هي إسرائيل وإسرائيل هي أميركا، وترامب كما وصفه شريكه وحليفه نتنياهو، أفضل صديق لأميركا في البيت الأبيض على مر كل الحكومات الأميركية، وليس كما قال الرئيس الأميركي السابق بايدن عن نفسه، ليس شرطاً أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً، فهذا الترامب يقول إنني أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، وأكثر إخلاصاً لجيل المؤسسين الصهاينة، جابتونسكي وبن غوريون.
الضغوط الأميركية ستستمر وتتواصل لإفشال أية جهود للتوصل إلى حل سياسي عادل، ما يجعل المنطقة أمام مشهد متفجر تهيمن عليه حسابات القوة، ومصالح التحالفات الدولية خاصة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
نتنياهو بعد لقائه مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، قال: إن إسرائيل مقبلة على انتصارات لم نحلم بها من قبل بدعم من ترامب، وأضاف: إننا سنغير وجه الشرق الأوسط بأكمله بالتنسيق مع إدارة ترامب و"نحن على أعتاب تغيير تاريخي لضمان مستقبل دولة إسرائيل".
إسرائيل تزداد توحشاً وتغولاً، في ظل تغطية أميركية كاملة، لكل ما تقوم به، فهي تعربد في سوريا، تحتل أراضي سورية جديدة، وتقيم أكثر من عشرين نقطة مراقبة داخل أراضيها، تشق طرقًا وتنسف وتدمر، وتستمر في القصف والتدمير، دون حسيب أو رقيب، وهي تفعل نفس الشيء في جنوب لبنان، رغم الهدنة التي تمنعها من أي اعتداءات وعمليات تدمير، ولكنها لم تلتفت للهدنة، ولا للقرار 1701 وآلياته التنفيذية. أميركا مددت لها مدة بقائها حتى الثامن عشر من هذا الشهر، واستمرت في عدوانها وأعمالها العسكرية وخروقاتها التي تجاوزت الـ1500 خرق، والتي سقط فيها أكثر من 60 شهيداً، وعشرات الجرحى، ولتعلن بأنها لن تنسحب من خمس تلال استراتيجية لبنانية، وبتنسيق مشترك مع أميركا.
من ينسحب من جبهة لبنان، ينسحب من جبهة قطاع غزة، فمن الواضح أن هناك اتفاقاً أميركياً- إسرائيلياً، على استعادة أكبر عدد من الأسرى، وتحويل المرحلة الأولى إلى مرحلة انتقالية طويلة، لاستعادة أكبر عدد من الأسرى الإسرائيليين، ومن أجل إطالة أمد حكومة نتنياهو ومنعها من الانهيار من داخلها، ونتنياهو بات يعطي تصريحات متناقضة، فهو تارة يرى في خطة ترامب لتهجير وترحيل سكان قطاع غزة الحل الأمثل، ويكلف وزير حربه، بتشكيل لجنة من أجل تهجير سكان قطاع غزة "طواعية"، على أن تشارك في تلك الخطة وزارات متعددة، وأن تتم براً وجواً وبحراً، وفي المقابل، يعلن أنه ينوي الذهاب لتنفيذ المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى، تلك المرحلة التي يلف الغموض مصيرها وإمكانية تنفيذها، حيث نتنياهو يكبلها بشروط تعجيزية، نزع سلاح حماس، وعدم بقائها عسكرياً وسياسياً في اليوم التالي لوقف العدوان، وترحيل قادتها العسكريين والأسرى الكبار الذين يجري وجرى الإفراج عنهم، وجرى ترحيلهم للقطاع إلى دول متعددة، تلك الشروط التعجيزية، هي وصفة للعودة إلى القتال، ولعل أميركا وإسرائيل متفقتان في هذا الاتجاه، ولكن العودة إلى القتال ليس بالخيار السهل، ولا يمكن أن يحقق أهدافاً عجزت إسرائيل عن تحقيقها في 471 يوماً، استخدمت فيها كل فائض قوتها، وجربت كل أنواع السلاح الأميركي المتطور، وكذلك هذا الخيار من شأنه تهديد حياة بقية الأسرى الإسرائيليين، ولعل تغيير نتنياهو لطاقم التفاوض في المرحلة الثانية، باستبعاد رئيسي "الموساد" ديفيد برنياع و"الشاباك" غونين بار، وجعل هذا الطاقم بقيادة صديقه المقرب، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، يعكس رغبة نتنياهو في السيطرة على المؤسستين الأمنية والعسكرية، بما يخدم مصالحه السياسية والشخصية، بعد أن عمل على إقالة وزير حربه السابق يوآف غالانت، ومن بعده رئيس الأركان هيرتسي هليفي.
يبدو أن المنطقة ستكون حبلى بالتطورات، وخاصة أن خيارات نتنياهو محدودة في هذا الاتجاه، وهو يسير في حقل ألغام، ويواجه ضغوطاً كبيرة ومتناقضة. ترامب يضغط عليه للسير في خطة تهجير سكان قطاع غزة، وهو يقول: إنه سيغير بالشراكة معه وجه الشرق الأوسط، وستكون المنطقة أمام تغيير تاريخي يضمن مستقبل ووجود إسرائيل، وضغوط من داخل الحكومة، تمارس عليه من قبل سموتريتش بالعودة للقتال مجدداً، بعد استعادة أكبر عدد من الأسرى، وكذلك ضغوط من خارج الحكومة، بن غفير الذي استقال من الحكومة والائتلاف، وضغوط من المعارضة السياسية وأهالي الأسرى، من أجل أن يستمر في صفقة تبادل الأسرى بمراحلها الثلاث. ويبدو أن قرار نتنياهو لم يعد بيده، وربما بات القرار بيد شريكه ترامب، والأيام القادمة ستجيب عن كل تلك التطورات وماهية الخيارات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها