بعيدًا عن التوافق الفلسطيني، وبترتيب وإعداد عن سبق إصرار وترصد من جهات دولية، وبعيدًا عن التشاور مع القيادة الفلسطينية ينعقد مؤتمر الدوحة بأجندة مغلفة توحي بالحرص على مسار القضية الفلسطينية، ولا تدري كيف يكون الحرص على القضية الفلسطينية، بعيدًا عن أصحاب الشأن في هذه القضية، وبعيدًا عن التوافق الوطني. لم تتوقف الأيدي الملوثة في طعن الخاصرة الفلسطينية، بأيدي إسرائيلية أو أجنبية أو عربية أو فلسطينية وتلك أخطرها، وكيف لا نستذكر ما حصل في تلك العواصم وإبادة الآلاف من أبناء شعبنا في مخيم تل الزعتر، والجبل وطرابلس، ومخيمات الجنوب؟ وكيف ننسى سجن المزة، وغيرها من السجون السورية التي سببت الجروح العميقة للفلسطينيين؟ كيف ننسى أن الفلسطينيين تشتتوا في أسقاع الأرض بسبب تدخل أنظمة للاستيلاء على القرار الفلسطيني، ولعل ما أصاب الشعب الفلسطيني لا يقل في مصائبه عن تلك النكبات وبأي شكل كان يكون. واليوم تحت مظلة الإصلاح يُعقد مؤتمر الدوحة من مشاركين فقط هم يريد أي عرس أو ترح للمشاركة فيه. عشاق الفنادق الذين لم يكن لهم دور في الخنادق هم اليوم رواد الفندقة وعرابها.

هكذا هم أصحاب الأفراح، والموالد يريدون التطبيل والتزمير في أي مناسبة تتاح لهم. يهرعون إلى العواصم من أجل تفعيل مزاميرهم. سينتهي هذا العرس المشؤوم وسنرى كم هم وضيعون هؤلاء المطبلين والمزمرين، حشدكم فارغ، لا ظهر ولا ظهير، ولا في العيور ولا في النفير. فقد أوجدتم نقطة انقسام سوداء جديدة ستبقى علامة فارقة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، ستسهم في ضرب نسيج الوحدوي للشعب الفلسطيني. 

هذا التوقيت الذي ينعقد فيه المؤتمر يأتي بالتوقيت الذي أعلن فيه عن النية في تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى دول الشتات، وفي التوقيت الذي أعلن فيه الرغبة عن تحويل غزة إلى منتجعات على البحر الأبيض المتوسط، ويجيء هذا المؤتمر في الوقت الذي أعلن عن عام الحسم في ضم الضفة الغربية لإسرائيل. ويأتي مؤتمركم في أوقات لا تسر عدو ولا صديق، أوقات حبلى بالمؤمرات والمشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية. وتحت حجج الإصلاح في المؤتمر  سيمر الكثير من تلك المشاريع أن فهم بعضكم المراد من هذا المؤتمر أم لم يفهموا، ولكنه خنجرًا مسموم في خاصرة القضية الفلسطينية في التوقيت والتنفيذ.

لا تفكروا أننا من الرداحين والناعقين، أو حتى ممن يحبون ذلك ولكنها القضية الفلسطينية أيها السادة، إن مؤتمركم يعقد في أكثر الأماكن التي عززت الانقسام الفلسطيني وعلى مدار سنين، عملت مع محاور أخرى لمنع أن يلتئم الصدع الفلسطيني. واذكركم يا فاقدي البصر والبصيرة كيف أن الطائرات القطرية كانت تطير من الدوحة إلى مطار تل أبيب شهريًا، وتنزل حمولتها من ملايين الدولارات لتنقلها عبر سيارات أجهزة المخابرات الإسرائيلية الموساد والشباك إلى قطاع غزة، وهذا ليس سرًا، ويتسلمها السفير العمادي في نقطة إيرز ليسلمها بعد ذلك إلى حركة حماس لتمويل وتعزيز ذلك الانقسام على مدار السنوات منذ 2007 وحتى 2023.

لن يعود  الزمن إلى الوراء لإصلاح ما أفسدتم، وما سيؤول إليه من تفتيت عضد الشعب الفلسطيني، وما يمكن أن يترك آثاره ذلك المؤتمر البغيض على الشعب الفلسطيني وقضيته. لكن إن ظهرت بوادره اختفوا حتى لا يُشار إليكم أنكم أسهمتم في تنفيذ مشاريع التصفية والانقسام للشعب الفلسطيني، أتألم لأن بعضكم هم قامات احترمها وأحبها، لكن ومهما كانت الأسباب فقد غرر بكم. عاش غيركم هناك في ردهات الفنادق سنوات وسنوات وماذا حققوا غير سنوات عجاف جلبت الدمار لشعبنا، ولن تجلبوا إلا الخراب، تلك دروس وعبر التاريخ. لا تفلح الأمم إلا في وحدتها، ولا تنكسر إلا بتشرذمها.