قبل 8 سنوات من الآن، وبالضبط في 25 و26 شباط/فبراير 2017 عقدت حركة حماس ومجموعة الدوحة مؤتمرًا في إسطنبول التركية بهدف نزع الشرعية عن منظمة التحرير الفلسطينية، والتمهيد لإيجاد إطار موازٍ لها، وفشل ذلك المؤتمر فشلاً ذريعًا. إلا فكرة تقويض مكانة "م. ت. ف" بقيت تسكن عقول القائمين على مؤتمر الدوحة، والعنوان الذي أطلقوه على مشروعهم الفاشل "إصلاح منظمة التحرير"، وهو عنوان جاذب للغالبية الساحقة من الفلسطينيين، وخاصة النخب السياسية والثقافية، ولا يختلف على الشعار أي فلسطيني، لأن الفلسطينيين كافة مع إصلاح وتطوير المنظمة، وترسيخ مكانتها كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني من خلال الحوار الوطني الشامل، وتفعيل هيئاتها القيادية ودوائرها.
وقبل الرد على مجموعة الدوحة، تملي الضرورة على قيادة المنظمة وفصائلها الوطنية المتمسكة بها، والحريصة على دورها، تعزيز حضورها الفلسطيني والعربي والدولي، استحضار شعار رفعه الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية، وودرو ويلسون، عندما تواجه تحديًا خطيرًا "اخفض صوتك، وأحمل عصا غليظة".
والعصا القيادية الفلسطينية تتمثل في الرد بهدوء وقوة في آن على مؤتمر الدوحة الفلسطيني، الذي سيعقد بعد غدٍ 19 شباط/فبراير الحالي، وذلك باتخاذ الإجراءات التالية: أولاً إطلاق حوار وطني واسع مع القوى الفلسطينية والمستقلين كافة ودون استثناء؛ ثانيًا مبادرة فصائل وقوى "م. ت. ف" كل على انفراد بمراجعة الذات التنظيمية، وخاصة حركة "فتح" العمود الفقري للمنظمة، التي يفترض أن تبادر لحوار واسع وعميق في صفوفها والبحث في أزماتها الداخلية، وفي أزمة علاقاتها مع فصائل المنظمة ومع باقي القوى والحركات والمستقلين. لا سيما وأنها ستعقد دورة جديدة للمجلس الثوري في 20 شباط/فبراير الحالي، آملاً أن تتمكن الدورة القادمة من مراجعة الذات والملف الوطني برمته، وتحديد مكامن الخلل في المرحلة السابقة، واستخلاص الدروس والعبر منها ببرنامج يرتقي لمستوى التحديات المطروحة عليها؛ ثالثًا تفعيل الهيئات القيادية لمنظمة التحرير: اللجنة التنفيذية والمجلسين المركزي والوطني، وتفعيل دوائر المنظمة بحيث تقف على اقدامها، وتنهض بمسؤولياتها الوطنية؛ رابعًا ضرورة عقد دورة عاجلة وعادية وكاملة للمجلس المركزي للمنظمة تحضرها كافة القوى السياسية الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، واستخلاص برنامج سياسي وكفاحي وتنظيمي يستجيب لحاجات الشعب، وللرد على التحديات الأخطر التي تواجهها القضية والمشروع الوطني، وعدم الركون للواقع القائم، والجلوس في مواقع الانتظار، فالتاريخ لا يرحم كائنًا من كان، وأي كان موقعه وشرعيته في حال التقاعس عن التقاط اللحظة التاريخية التي يمر بها الشعب والقضية من أخطار تهدد الوجود الوطني برمته؛ رابعًا التحضير الفعلي لعقد دورة للمجلس الوطني بالصيغة التي تم التوافق عليها بين القوى السياسية الفلسطينية بقوام لا يزيد عن 350 عضوًا، وانتخاب هيئات قيادية جديدة مؤهلة لمواجهة التحديات المتصاعدة والمتفاقمة في أعقاب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب في الوطن الفلسطيني كله من قبل إسرائيل وسادتها في واشنطن ومن يدور في فلكهم، ومواجهة أخطار التهجير والتطهير العرقي والضم للضفة الفلسطينية، التي ترعاها إدارة الرئيس دونالد ترمب؛ خامسًا ترسيخ أبناء الشعب في عموم المحافظات وخاصة في قطاع غزة من خلال إدخال المساعدات الإنسانية الغذائية والدوائية والإيوائية والشروع بالإعمار بالتعاون مع الأشقاء العرب والقوى العالمية كافة المستعدة لدعم ومساندة الشعب الفلسطيني؛ سادسًا الانفتاح على الأشقاء العرب جميعًا بمختلف مشاربهم، رغم وجود أية تحفظات لدى القيادة على هذا النظام أو ذاك؛ سابعًا العمل مع القوى العربية والدولية ذات الصلة على عقد مؤتمر السلام الدولي لإنجاز الحل السياسي، وتكريس استقلالية الدولة الفلسطينية وسيادتها على ترابها الوطني؛ ثامنًا إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أسرع وقت مناسب لانتخاب قيادة شرعية وتنفيذية جديدة؛ تاسعًا رفع مكانة دولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
وأما ردًا على مؤتمر الدوحة، فإن الضرورة تحتم على الوطنيين الذين لبوا، أو سيلبوا الدعوة مراجعة ذاتهم قبل التورط في متاهة المؤتمر، الذي يستهدف الشرعية الوطنية، وسحب البساط من تحت أقدام منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد، وعليهم أن يسألوا أنفسهم عمن يقف خلف المؤتمر، ومن أين لهم الأموال التي دفعوها، وسيدفعونها لعقد المؤتمر؟ وهل الإصلاح يتم من خارج مؤسسات المنظمة، أم من داخلها؟ من يريد الإصلاح فليأتِ إلى هيئات المنظمة ويدعوا من قلبها للحوار والإصلاح، فالأبواب مشرعة أمام الجميع. ثم كيف ولماذا يعقد المؤتمر الآن في اللحظة التي تتكالب فيها إسرائيل وإدارة ترمب ومن يدور في فلكهم لتبديد الوجود الوطني برمته؟ وهل من المنطق والمسؤولية الشخصية والوطنية عقد هكذا مؤتمرات بالتلازم مع المخططات الهادفة لتصفية القضية الوطنية وسحق الوجود الوطني؟ وهل هذا يندرج في دائرة الإصلاح أم التدمير والتخريب والتواطؤ مع تلك المخططات من حيث يدري البعض أو لا يدري؟.
أدعو الجميع ممن تم دعوتهم لمراجعة ذاتهم، والكف عن العبث والتدمير الذاتي لأهم منجز وطني للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، والعودة لجادة الوطنية الحقة، والتخندق في خنادق الدفاع عن الشعب والقضية والمنظمة والمشروع الوطني، إن كانوا حقيقة معنيين بالدفاع والإصلاح عن المنظمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها