في وقت يمر فيه الشعب الفلسطيني بظروف غاية في الصعوبة والتعقيد، مع تصعيد إسرائيلي غير مسبوق ضد الأرض والإنسان الفلسطيني، تأتي الدعوة إلى "المؤتمر الوطني الفلسطيني" المزمع عقده في قطر في الفترة من 17 إلى 19 شباط/فبراير الجاري، لتطرح تساؤلات عميقة حول توقيته، مكانه، وأهدافه الحقيقية.
توقيت مريب وسط تصعيد خطير، لا يمكن فصل انعقاد هذا المؤتمر عن الواقع الميداني والسياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية اليوم.
فالتصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة بلغ مستويات خطيرة لم يسبقها مثيل، وسط محاولات متواصلة لفرض حلول تُجهض الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وتصفي القضية الفلسطينية.
في هذا الظرف الدقيق والحساس، يظهر المؤتمر وكأنه محاولة لصرف الأنظار عن المعركة الأساسية التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وإضعاف لموقف القيادة الفلسطينية الشرعية في مواجهة تلك التحديات الإقليمية والدولية التي يفرضها العدوان.
قطر كمقر للمؤتمر له دلالات مقلقة، إن اختيار قطر لاستضافة المؤتمر يثير تساؤلات كثيرة حول الدوافع الكامنة وراء هذه الخطوة، علمًا أن المنظمين له قد سعوا لعقده في دول أخرى مثل الجزائر، لكن لم يجدوا استجابة لمسعاهم من قبل الجزائر ولا من قبل أي من الدول العربية والإسلامية الأخرى، فبينما تلعب الدوحة دورًا مؤثرًا في الملفات الإقليمية، وطبعًا بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية ومع المستعمرة الإسرائيلية، فإن احتضانها لهذا المؤتمر دون توافق فلسطيني شامل يثير المخاوف من وجود أجندات خارجية، قد تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني وفقًا لمصالح دول إقليمية أخرى، بدلاً من الانطلاق من أولويات القضية الفلسطينية ذاتها، في مواجهة الاحتلال وخططه، فهل يهدف المؤتمر إلى تعزيز الموقف الفلسطيني، أم أنه مجرد محاولة لفرض وصاية جديدة على المشهد الفلسطيني وعلى القرار الوطني الفلسطيني المستقل؟.
أهداف فضفاضة للمؤتمر أكبر من حجمه، تثير الشكوك فيه، يدَّعي القائمون على المؤتمر أنه يسعى إلى "تطوير منظمة التحرير الفلسطينية"، لكن السؤال الجوهري هنا من يملك الحق في تحديد أسس هذا التطوير ومتى وكيف يمكن أن يتم ذلك؟.
إن أي جهد حقيقي لإصلاح المنظمة يجب أن ينبع من الداخل الفلسطيني، ومن الأطر الفلسطينية، ومن خلال توافق وطني شامل، لا عبر مؤتمرات تعقد في الخارج هنا أو هناك ودون مشاركة كافة الأطراف والأطياف والأطر الفلسطينية الشرعية.
إن الخطر الحقيقي يكمن في أن يتحول هذا المؤتمر إلى أداة لتقويض وحدة الصف الفلسطيني، بدلاً من أن يكون وسيلة لتقويته ودعمه.
إن الحديث عن إصلاح المنظمة في ظل غياب التوافق الوطني، وفي توقيت حساس كهذا، قد يكون مجرد غطاء لمشاريع تهدف إلى إعادة رسم الخارطة السياسية الفلسطينية بطرق لا تخدم القضية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني ووحدة القرار الفلسطيني المستقل، بقدر ما تخدم أجندات خارجية.
في ظل الظروف الحالية، المطلوب ليس عقد مؤتمرات تزيد من حالة الشرذمة والانقسام الفلسطيني، بل السعي نحو توحيد الجهود لمواجهة المخاطر الحقيقية التي تهدد القضية والكيانية الفلسطينية.
إن منظمة التحرير الفلسطينية، رغم الحاجة إلى تطويرها وتفعيل مؤسساتها، تبقى هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإن أي محاولات لتجاوزها خارج الإطار الوطني المتفق عليه لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والتشرذم.
لذلك، فإن "المؤتمر الوطني الفلسطيني" المزمع عقده في قطر قد لا يكون سوى خطوة تزيد من حالة التشرذم والإنقسام الداخلي، بدلاً من أن تسهم في تحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية ووحدة القرار الفلسطيني واستقلاليته، وفي هذا السياق لا بد من الحذر من أي مشاريع تهدف إلى إعادة صياغة التمثيل الفلسطيني بعيدًا عن الإرادة الوطنية الحقيقية والمستقلة، لأن أي مسار لا ينطلق من وحدة الموقف الفلسطيني لن يكون إلا نقطة انقسام جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني، وخنجرًا ينغرس في الخاصرة الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها