في خضم التغول الإجرامي الإسرائيلي على المحافظات الفلسطينية عمومًا، والشمالية خصوصًا، الذي تصاعدت وتيرة دمويته على مدار ما يزيد عن الشهر في محافظة جنين ومخيمها، وفي ظل التجاذب حول الشروع بالمرحلة الثانية من المفاوضات لتنفيذ بنود اتفاق الهدن الثلاث الموقع في الدوحة في يناير الماضي، التي ما زالت رهينة التهرب والمماطلة والتسويف من قبل حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بقيادة نتنياهو، وممالأة إدارة ترمب لها، وتغطية جرائم حربها على الشعب الفلسطيني، وعشية انعقاد القمة العربية الثمانية المصغرة (أمس الجمعة 21 شباط/فبراير الحالي) في الرياض، التي تعتبر محطة تمهيدية للقمة العربية الطارئة المقررة في 4 آذار/مارس القادم، شهدت منطقتي بات يام وحولون على تخوم تل أبيب الجنوبية عمليات تفجير لعدد ثلاثة من حافلات النقل الإسرائيلية الفارغة من الركاب في التاسعة من مساء الخميس، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إصدار أوامر للجيش والأجهزة الأمنية بتصعيد الهجمات الوحشية على عموم الضفة الفلسطينية، وتبعه وزير الحرب، يسرائيل كاتس، ووزير المالية، بتسليئيل سموتريش في تصريحات مماثلة، لا بل أن الأخير طالب بالعودة إلى دوامة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني كله وخاصة في قطاع غزة.

كما أن وزير ما يسمى الأمن القومي السابق، ايتمار بن غفير حمل الائتلاف الحاكم المسؤولية عما جرى، وأعاد ذلك لإبرام صفقة التبادل للرهائن والأسرى الفلسطينيين والهدن الثلاث، وتواترت ردود الفعل والمواقف الصهيونية المنادية بالتصعيد ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
وحسب المصادر الأمنية ومكتب رئيس الائتلاف في تل أبيب، إن العبوات كان يفترض انفجارها في التاسعة صباح أمس الجمعة، لكن بسبب خلل فني يتعلق بالالتباس وعدم التمييز بين PM وAM من قبل معدي العبوات، التي كتب على بعضها "انتقامًا لطولكرم"، انفجرت مساء الخميس. وعلى إثر ذلك، تم اعتقال ثلاث من المشتبهين الإسرائيليين، يشتبه في تسهيلهم تنفيذ الهجمات؟ الأمر الذي يزيل الالتباس مبدئيًا عن لغز التفجيرات، وما عمق ذلك، إصدار محكمة إسرائيلية مختصة حظراً لمدة ثلاثة أسابيع على نشر تفاصيل التحقيقات المتعلقة بتفجير الحافلات، دون تبرير لقرارها، الأمر الذي آثار الغموض على الأصابع التي تقف خلف الهجمات، وفق مصادر الإعلام الإسرائيلية. ولكن الحقيقة تشير لانتفاء أي غموض، خاصة وأن المشتبه بهم من الإسرائيليين، وليسوا من الفلسطينيين، وبالتالي زج التهم ضد المنظمات الفلسطينية لا أساس له من الصحة. لأنه لا مصلحة فلسطينية الآن من ارتكاب أي عمل يستهدف المدنيين الإسرائيليين، وكون القيادة الفلسطينية انتهجت منذ انتفاضة 1987 الكبرى خيار وشكل الكفاح الشعبي السلمي لمواجهة تحديات الاستعمار الإسرائيلي الإجرامية، ولإدراك الفلسطينيين أن أية عمليات فدائية الآن تخدم اليمين الصهيوني النازي لتصعيد حروبه المتعددة على الشعب الفلسطيني. مع أن حق المقاومة مشروع للشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية.
لكن علينا أن نفرق بين الحق في الدفاع عن النفس، وبين اللحظة السياسية لمواجهة التحديات الصهيونية المتفاقمة، وحتى لا تعطي ذرائع لنتنياهو وأركان ائتلافه النازي بمواصلة الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولإعطاء مساحة وديمومة للأشقاء العرب والأصدقاء الأمميين لكبح الانفلات الصهيوني من كل عقال القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، والدفع بعربة التسوية السياسية للأمام.

إذاً ما تقدم، يشير إلى أن الهجمات على الحافلات في بات يام وحولون لا علاقة له بالمنظمات الفلسطينية، وإنما يقف خلفها إما أجهزة الأمن الإسرائيلية، أو العصابات الصهيونية التابعة للقوة اليهودية بزعامة بن غفير، أو شباب التلال، أو غيرها من المجموعات المتطرفة، لتحقيق أكثر من هدف، منها، أولاً خلط الأوراق في المشهد الإسرائيلي؛ ثانيًا الحؤول دون مواصلة إسرائيل تنفيذ بنود اتفاق الدوحة؛ ثالثًا خلق الشروط المؤاتية لتصعيد جرائم الحرب على الشعب الفلسطيني في الضفة، والعودة لإشعال نيران الإبادة الجماعية في قطاع غزة؛ رابعًا قطع الطريق على ضغوط الإدارة الأميركية الدافعة للمضي قدمًا بمفاوضات المرحلة الثانية؛ خامسًا للتأثير على مخرجات القمم العربية المصغرة والموسعة؛ سادسًا لتحريض الرأي العام العالمي على الشعب والقيادة الفلسطينية. لا سيما وأن التحولات التي شهدها الرأي العام الدولي صبت في صالح السردية الفلسطينية، وتعاظم التأييد للحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني.
وقادم الأيام من المؤكد سيميط اللثام عمن يقف خلف هذه الهجمات، ولن تفيد الاتهامات الإسرائيلية للقوى الفلسطينية بوقوفها خلفها، وستسقط ذرائعها المختلفة، مع أنها (إسرائيل وزعيمها نتنياهو) لا يحتاجون إلى أية ذرائع لمواصلة حروبهم الإجرامية على الشعب الفلسطيني، كونها مغطاة بالحماية من الإدارة الأميركية.