حلت ذكرى إنطلاقة حركة حماس الـ37 قبل ثلاثة أيام في 14 كانون الأول/ديسمبر الحالي، التي أعلنت عن تأسيسها بعد اشتعال شرارة الانتفاضة الكبرى 1987/1993، التي دشنت فيها الحركة سياسة تمزيق وحدة الصف الوطني، مع رفضها الشراكة مع قوى منظمة التحرير وعنوانها آنذاك القيادة الوطنية الموحدة، ولجأت لإصدار بياناتها الخاصة بهدف سحب البساط من تحت أقدام المنظمة وذراعها في الانتفاضة الكبرى/ثورة كانون العظيمة، وكشفت منذ اللحظة الأولى لتأسيسها عن أهدافها وخلفياتها وأجندتها الإخوانية لتمزيق وحدة الصف الوطني، وشكلت عبئًا وجرحًا عميقًا في النضال الوطني وخروجًا عن الوحدة الوطنية، وكانت عنوانًا ورأس حربة لما سمي بالربيع العربي.
ولأن الإعلان عن تأسيسها مع اشتعال الانتفاضة في عموم الوطن، لم يكن محظ الصدفة، بل كان مخططًا وهادفًا لتفتيت القوى الوطنية والشعب عمومًا، وببرنامج متناقض مع برنامج الإجماع الوطني، ولخدمة أغراض وغايات فئوية وأجندات إخوانية وخارجية، وواصلت خيارها الانقسامي حتى توجته بالانقلاب على الشرعية الوطنية في أواسط حزيران/يونيو 2007، الذي جاء بعد اتفاق مكة في شباط/فبراير من العام ذاته، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، رئيس الحركة اللاحق بعد إزاحة خالد مشعل عن رئاسة المكتب السياسي للحركة لنحو 20 عامًا، ورفضت طيلة نحو 18 عامًا تطبيق اتفاقًا واحدًا من اتفاقات المصالحة والوحدة الوطنية، ومازالت حتى اللحظة المعاشة تواصل خيار الانقلاب على الوحدة الوطنية.

وبعد أن أطلقت "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر عام 2023، والذي بات عنوانًا للإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية لليوم 438 من حرب الأرض المحروقة، حيث استغله الأعداء ذريعةً لتصفية القضية والمشروع الوطني والكيانية الفلسطينية، وسقط غالبية قياداتها الأولى والثانية والثالثة في الحرب المدمرة، مما شل قدرة ومكانة الحركة في الساحة الفلسطينية نتاج السياسات الغبية والبعيدة عن التخطيط وتقدير الموقف السياسي والعسكري السليم، ونتاج التفرد بإختطاف القرار الوطني، وفرض حرب هوجاء وعدمية مع عدو صهيو أميركي وغربي رأسمالي متوحش، مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 45 ألفًا من أبناء الشعب وجرح نحو 107 آلاف مواطن غير المفقودين وتدمير محافظات قطاع غزة الخمسة عن بكرة أبيها، وما بقي من عمران ليس أكثر من أطلال.
ومع حلول ذكراها الـ37 صرح أحد قادتها من المقيمين في تركيا لموقع "إيلاف" قائلاً: "تأتي الذكرى مع أفول نجم الحركة، وجر ذيول الهزيمة في غزة وفي المنطقة". وأضاف القيادي، الذي لم يعلن عن اسمه: أن الحركة تعاني من أزمة قيادة حقيقية، وأن "طوفان الأقصى" انقلب عليها وأغرقها في بحر من الدماء والأزمات، كان آخرها سقوط نظام بشار الأسد، الذي حاولت الحركة مؤخرًا إعادة العلاقات معه.

وتناسى هذا القيادي أن حركته الإخوانية تتلون كالحرباء، وتنقل البندقية من كتف إلى كتف آخر برمشة عين، حيث بارك خالد مشعل، رئيسها في الخارج لزعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع/ أبو محمد الجولاني المتناسل من رحم حركة الإخوان المسلمين، وأداة تركيا الرئيس في سوريا، وبالتالي لم يعنيها كثيرًا بقاء أو غياب بشار ونظامه، لأن الزعيم الجديد لسوريا حليفها الاستراتيجي.
وتابع القيادي الحمساوي إلى أن قيادة الحركة لا تعرف ماذا تفعل، أو إلى أين تتجه حاليًا، خاصة وأن الطرق مسدودة أمامها، وأردف قائلاً لموقع "إيلاف" أن غزة دمرت بالكامل، وسط ترقب لصفقة لتحرير أسرى قد تحفظ بعض ماء الوجه لقادة الطوفان والسابع من أكتوبر، الذي انقلب وبالاً على الفلسطينيين عمومًا.
وكخلاصة لما ذكره المسؤول الحمساوي، فإن حلول الذكرى الثانية للحركة في ظل الإبادة الجماعية الصهيو أميركية، يشير إلى أن مصير الحركة بات على كف عفريت، ومستقبل مظلم، حتى لو أبرمت صفقة تبادل الرهائن والأسرى. لأن النتائج الوخيمة التي حصدتها من الطوفان، كما ذكر، كان وبالاً وخرابًا ودمارًا وموتًا وإبادة للشعب والحركة على حد سواء. لإن من بقي من قياداتها في الخارج وفي الضفة ليسوا مؤهلين لإعادة الاعتبار للحركة، ومكانتها السابقة على الطوفان، دون أن يعني ذلك، أنها ستنتهي من الوجود، فهذا أمر آخر. رغم أن أنصارها في الضفة يحاولون من خلال انتهاج سياسة الفوضى والفلتان الأمني في الضفة الفلسطينية عمومًا ومخيماتها وتحديدًا مخيم جنين تعزيز وجودها على حساب وحدة الأرض والشعب والقضية والمشروع الوطني وخدمة للأجندات الفئوية الضيقة، والتي لا تخدم سوى العدو الإسرائيلي. ومع ذلك فإن خيارها التخريبي في الضفة لن يفلح، وسيتم وأده، ولن تسمح قيادة منظمة التحرير والدولة الفلسطينية والحكومة وأجهزتها الأمنية باستحضار خيار الانقلاب في الضفة، كما حصل في غزة، بعد أن سقطت كل الأقنعة عن وجهها الإخواني القبيح.