المقاومة كلمة، كلما وضعتها فضائيات الخديعة والضلال، في إطارها الاستعراضي، اتضح استخدامها الانتهازي لها، لا للتوسع في انتشارها لأجل الاستحواذ على عقل المتلقي فحسب، وإنما كذلك لضرب المعنى الحقيقي للكلمة، خدمة للخطاب الشعبوي واستثمارًا فيه لأجل مصالحها الإقليمية الخاصة، وكلما تمكنت هذه الفضائيات من ذلك، كلما نفت عن المقاومة صيغة الفعل الإنساني بأساليبه وطرقه المنوعة، الساعية للحرية والعدل والكرامة والأمن والازدهار.

وفي إطارها الاستعراضي لكلمة المقاومة، لا تضع فضائيات الخديعة والضلال على شاشاتها غير الملثم باعتباره المقاوم الوحيد. ولا ترى أن الشعب الفلسطيني بأسره هو شعب مقاوم، بكل فعالياته وقواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية على اختلاف مسمياتها، شعب مقاوم بالصمود والثبات على أرض وطنه، يتحدى حواجز الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه، واعتداءات مستوطنيه العنصرية الإجرامية يوميًا وعلى مدار الساعة.

هنا على أرض الصراع، الفلسطينيون المقاومون من كل طبقة، وشريحة، وعنوان، رجالاً ونساء، شباب وفتيان، عمالاً، فلاحون، أطباء، مهندسون، تقنيون، فنيون، إعلاميون، صحفيون، موظفون في القطاعين العام والخاص، تجار، شرطة ورجال أمن، كل هؤلاء مقاومون، وهم يواصلون حضورهم العملي في حقول أعمالهم، مؤكدين صمودهم وتحديهم للاحتلال، وإجراءاته وسياساته التعسفية، مكرسين بذلك سعيهم للحرية والاستقلال، برغم أن غالبيتهم لا يتقاضى راتبه كاملاً.

هذه الفضائيات تُغيّب حقيقة الشعب الفلسطيني، وحقيقة وجوده المقاوم، وسلامة وعيه، وإدراكه الوطني، وهي تسلط أضواءها فقط على مجموعة من الخارجين عن القانون، وعلى المرتبطين بالأجندات الخارجية، وعلى السائرين في دروب المغامرات الطائفية المهلكة.

فضائيات ومنصات إعلامية مغرضة، لا هم لها سوى الطعن في السلطة الوطنية، والتحريض على سياساتها المسؤولة، لتعميم الفلتان والفوضى، خدمة لمخططات الاحتلال، وأجندات "سموتريتش" قبل أن تكون أجندات طهران ليست السياسية فحسب، بل والطائفية البغيضة كذلك.

المقاومة ثقافة، وسلوك، وأخلاق، وسياسة، ومسؤولية، ومنهج عمل في إطار الاجماع الوطني، وتاليًا ما من مقاومة، ولا مقاومين خارج هذا الاجماع، فالمقاومة موقف ورؤية وحسابات واقعية بلا استعرضات وخطابات وشعارات بلاغية. هذه المقاومة لا تعرفها، ولا تريد أن تعرفها تلك الفضائيات، ومواقع الضلال الحمساوية التي لا تحرض سوى على السلطة الوطنية لأجل تدميرها وإسقاطها، دون أن تقول إن البديل لن يكون سواه، الاحتلال الإسرائيلي، والضم لأراضي الضفة المحتلة، وحتى دون أن تجعل المتلقي يفكر أن هذا البديل، سيحيل واقع الضفة إلى خراب ودمار كما فعل -وما زال يفعل- في قطاع غزة.