تشهد الساحة الأميركية الشمالية زحزحة نسبية في المواقف السياسية تجاة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويعود ذلك لإسباب عدة، منها: أولا إفتضاح جرائم الحرب والإنتهاكات الإسرائيلية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني؛ ثانيا السياسة الواقعية والحكيمة للقيادة الفلسطينية وتمسكها الثابت بخيار السلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967؛ ثالثا إعتماد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لإشكال النضال المقبولة عالميا (النضال الشعبي، السياسي والديبلوماسي/ التفاوض)، رغم تغول وتوحش القيادات والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في مواجهة الأساليب الكفاحية الفلسطينية المشروعة؛ رابعا إندفاع إسرائيل غير المسبوق لتدمير خيار السلام، وتخندقها في مواقع الإستيطان الإستعماري؛ خامسا التأثير الإيجابي لنضال حركة المقاطعة (BDS) على الرأي العام العالمي عموما والأميركي خصوصا؛ خامسا إنفضاح وتعري السياسات العدمية لقوى اليمين الأميركي بشكل عام وفي اوساط الحزب الجمهوري بشكل خاص المهددة للسلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي؛ سادسا إتضاح وإفتضاح أخطار السياسات الإسرائيلية الطائشة والمتهورة على مستقبل دولة إسرائيل في اوساط الجالية اليهودية الأميركية، ورفضهم التساوق أو ممالأة تلك السياسات؛ سابعا التحولات الإيجابية في مواقف الكنائس الأميركية، بالإضافة لمواقف انصار طائفة ناطوري كارتا اليهودية، التي تركت تأثيرات إيجابية على قطاعات جديدة ومهمة في اوساط الرأي العام الأميركي؛ سابعا بروز وتنامي دور شخصيات أميركية من اتباع الديانة اليهودية ذات كاريزما ونافذة في الشارع الأميركي ترفض الإستعمار الإسرائيلي وتؤمن بخيار السلام، ترك أثرا إيجابيا على الرأي العام الأميركي... إلخ.
ومن بين الشخصيات المميزة والإيجابية على هذا الصعيد المرشح الأميركي عن الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز، الذي لم يحالفه الحظ في إنتخابات 2016، ويسعى مجددا في الإنتخابات القادمة 2020 ليتبوأ مقعد الرئاسة، وبذلك يكون الرئيس الأميركي الأول من اتباع الديانة اليهودية إذا حالف الحظ، وبغض النظر عما تقرره صناديق الإقتراع القادمة، فإن هذا الرجل تميز بمواقف سياسية شجاعة، لم يخش التعبير عنها، والإفصاح بها علنا ضد سياسات حكومات إسرائيل، ومنها ما أعلنه يوم الإثنين الماضي الموافق 28/10/2019 في مؤتمر جي ستريت اليهودي الأميركي، خلال كلمته في المؤتمر، التي جاء فيها: علينا إقتطاع جزءا من الدعم الأمريكي السنوي لإسرائيل البالغ 3،8 مليار دولار لإنعاش قطاع غزة، الذي يعاني من اوضاع صعبة نتيجة الحصار. ولإن ما يحدث لغزة غير إنساني وكارثي، وغير مقبول. وهذا نتاج سياسات حكومة نتنياهو العنصرية، التي تترك إنعكاسات غير إيجابية على مجمل الوضع هناك، ولهذا يفترض أن تجلس إسرائيل مع الفلسطينيين للتفاوض، من أجل الوصول إلى اتفاق يخدم الطرفين، وذلك من أجل أن تحظى إسرائيل بالأمن والسلام، كما ويجب أن يحظى الفلسطينيون بالأمن والسلام. ولكن ليس وفق طريقة ترامب، لأن ما فعله من نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كان إجراءٌ مُخجل، يجب التنصل منه، وهو ما يستوجب الوصول إلى اتفاق بين الطرفين. وهذة المواقف لا صلة لها بمعاداة السامية، لا بل تتناقض مع كل من ينادي باللاسامية.
وكان ايضا للرجل مواقف شجاعة عندما رفضت إسرائيل السماح لعضوتي الكونغرس الأميركي عن الحزب الديمقراطي من اصول عربية، رشيدة طليب، وإلهان عمر بزيارة اراضي دولة فلسطين المحتلة وإسرائيل، فقال في مقابلة مع قناة "MSNBC" الأميركية بتاريخ 17/ 8/2019 ردا على قرار نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية بمنع النائبتين "إذا لم ترغب إسرائيل في زيارة اعضاء الكونغرس الأميركي لبلدهم لمعرفة ما يجري هناك عن كثب، يجب عليها أيضا ان ترفض قبول مليارات الدولارات، التي نقدمها لها", ليس هذا فحسب، بل انه دعا الولايات المتحدة لاستخدام أموال الدعم الأميركية للضغط على إسرائيل من أجل تحقيق السلام. وأضاف كل ما اريده، اننا نحتاج إلى سياسة متوازنة في الشرق الأوسط تحمي إسرائيل وأمنها، ولكنها تحترم أيضا الشعب الفلسطيني، الذي يعاني الكثير من الظلم.
هذه المواقف الإيجابية بالمعايير النسبية وغيرها للمرشح بيرني ساندرز تستوجب الشكر والتقدير له، وأخذها بعين الإعتبار، والعمل على تطويرها، لا توجيه الاتهامات الساذجة والمغفلة، التي تطلقها بعض الفصائل اليسارية، التي لم تتعلم من دروس التاريخ، ولا من تجربتها الخاصة، ومازالت تتخندق في خنادق العدمية والارتجال السياسي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها