يعقد المجلس المركزي الفلسطيني اجتماعه المرتقب في 23 و24 من الشهر الجاري في رام الله، في ظل واقع بالغ الخطورة تتشابك فيه المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، ما يجعل من هذه الدورة استحقاقًا سياسيًا ووطنيًا بالغ الأهمية، يتطلب قرارات نوعية تستجيب لمتطلبات المرحلة وتعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني.
تواجه القيادة الفلسطينية جملة من التحديات الكبرى، أبرزها: استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة وما خلفه من نواتج إنسانية مارثية وعسكرية وأمنية خطيرة، ومحاولات فرض الوقائع الاستيطانية والضم، والتهجير القسري، واستمرار الانقسام الداخلي وتفرد حركة حماس في مواقفها وتحالفاتها الخارجية، إلى جانب الضغط العربي والدولي نحو حلول قد لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني كاملة، أو تؤدي إلى مسارات تطبيعية تتجاوز جوهر الحقوق الفلسطينية.
كما قد تبرز معيقات بنيوية في بنية النظام السياسي الفلسطيني، يجب العمل على سَّن القرارات الكفيلة بوضع الحلول المناسبة لها، والعمل على تفعيل المؤسسات والمنظمات والاتحادات الشعبية، لما تمثله من أدوات تنظيمية وكفاحية في معركة التحرر الوطني وكونها قواعد أساسية وهامة من قواعد منظمة التحرير  الفلسطينية، والعمل على تكريس   الشرعيات التمثيلية، وتأكيد المشاركة الديمقراطية في كافة المؤسسات الوطنية.

وفي المحيط الإقليمي، هناك تبدلات استراتيجية في مواقف بعض الدول العربية، وتحولات في أولويات المجتمع الدولي، لا سيما في ظل الحراك السياسي والديبلوماسي (السعودي- الفرنسي) لعقد مؤتمر دولي منتصف هذا العام، بغرض حل الصراع على أساس تتفيذ حل الدولتين.
هذا ما يفرض على الفلسطينيين التماسك الداخلي، وتوحيد الموقف السياسي، والتمسك بثوابتهم الوطنية في مواجهة الضغوط المختلفة.
إن المطلوب من هذه الدورة للمجلس المركزي، ليس فقط تجديد الأطر أو تسمية شخصيات، بل الشروع في عملية إصلاح سياسي شامل، تنبع من إرادة وطنية صلبة وجامعة، تستند إلى تكريس مبادئ الشراكة والتعددية والتمثيل الحقيقي للكل الفلسطيني، وتعيد تفعيل مؤسسات وبنى منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي وحيد، وتعزز أدوات النضال والصمود والمقاومة الشعبية والقانونية والدبلوماسية، لضمان حماية الحقوق الوطنية المشروعة (في العودة، والمساواة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية)، يجب إعادة بناء الاستراتيجية الفلسطينية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والتحرك النشط على المستويين العربي والدولي لفضح الاحتلال وعزله ومساءلته عن جرائمه المستمرة والمتواصلة في حق الشعب الفلسطيني.

إن القضية الفلسطينية تقف اليوم على مفترق طرق، والمجلس المركزي كهيئة قيادية عليا، أمام لحظة تاريخية فارقة قد لا تتكرر، فإما أن يُعاد تجديد الحياة السياسية الفلسطينية على كل المستويات التنظيمية الشعبية والرسمية، لتكون بمستوى التضحيات وبمستوى التحديات، أو يستمر التآكل والانقسام، ما من شأنه أن يُضعف الموقف الفلسطيني في معركة الحرية وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
المطلوب اليوم هو الشجاعة الأدبية والثورية، والجرأة الوطنية، والحكمة والعقلانية، المستندة إلى الرؤية الوحدوية الجامعة، لصناعة مستقبل يليق بفلسطين وبتضحيات ومعاناة شعبها.