مما لا شك فيه أن التحليلات قد اقتربت بغالبها من حقيقة الوضع المستجد في سوريا، إذ تظهر هذه التحليلات الدور الدولي ثم الإقليمي، ثم ما حصل في فلسطين ولبنان، وبالتالي انعكاساته الكبيرة على سقوط النظام.
هذا الأمر، سواء مع المتفائلين بالعهد الجديد، أو المتشائمين منه، هو بالقطع صحيح برأيي، فلا تغييرات ضخمة تتم بالمنطقة دون هذه العوامل الثلاثة، إذا أضفنا إليها العامل الداخلي.
النظرة إلى سوريا الجديدة داخل السياق الفلسطيني عامة، وفي حركة التحرير الوطني الفلسطيني- "فتح"، كما أراه من جانبي هي ما بين التخوف والحذر، وما بين الأمل والتفاؤل.
من حق الفلسطينيين ككل، والفتحاويين الخوف على سوريا، وهم قد اصطلوا بنار الصهيوني الاستخرابي المحتل وما زالوا، وعانوا حدث الانقلاب الداخلي المرير تحت شعارات سياسية دينية، ما لا يتجاوز عقولهم، لكن المقارنات التي تُعقد قد لا تصح بطريقة النسخ واللصق مع الوضع السوري الشامل.
إن التطلع نحو مستقبل مشرق، والفرح بفرح أهلنا السوريين هو السِمة العامة لكل مَن قابلتهم في فلسطين، لكن! وهذه "اللاكن" اللعينة تأبى إلا أن تشكل طبيعة عقل الفلسطيني الحَذِر أو المتشكك. أو منه الآخر المأسور لنظريات المؤامرة، وفي سياق اللاكن هذه تجد العديد من التحليلات التي تنكر الدور الوطني السوري الداخلي، وتكاد تنزع من مجمل السوريين قدرتهم على التقدم والتصالح والحوار والتآلف، وهي إن صحت فقد نقع في آليات التقسيم المعتمدة بالمنطقة بلا شك، وينتصر أصحاب نظرية الاندراج بالمحور الصهيو أميركي، والقادم أسوأ، لا سيما والتاريخ الحافل لمنظمات التطرف الإسلاموي داخل سوريا، ما كان ليبشر بخير.
حين النظر من شباك الإيجابية والتفاؤل فإن الوطن السوري قد عانى سنوات طوال من نظام شعاراتي استبدادي لم يطلق رصاصة ضد الإسرائيلي، وإنما كان وبالاً على فلسطين والثورة الفلسطينية ولبنان وشعبها، وعلى الشعب السوري، فما يحصل حاليًا مهما كان مما يقال من اندراج باللحظة الأميركية، لا يمكن أن يكون بأسوأ من السنوات العجاف السابقة. لذا فلنمد اليد نحو سوريا المستقبل، سوريا المدنية الديمقراطية لكل شعبها فنرفع ولا نخفض.
هذان الرأيان مما سمعتهما من الأخوة الكوادر المتقدمة في حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح" في فلسطين جديران بالتأمل وجديران بالنقد أيضًا.
دعنا نقول أن النظام القادم الجديد، وكما عبر عن ذاته لا يريد مزيداً من الدماء، وسيقوم بدمج كل المليشيات في الجيش الوطني السوري، وسيفعّل منطق الدستور والقانون والانتخابات والدولة المدنية، وضمن مرحلة انتقالية كما قال، وهذه عوضًا عن مقابلة أحمد الشرع مع "سي أن أن" والتي تحسب له بغالبها.
دعني أقول أن أطياف الشعب السوري التي عمد جزار غزة وفلسطين ولبنان "نتنياهو" لمخاطبتها بصفتها "الطائفية"، قد ألقت بوجهه المياه العادمة حينما لم تستجب له، ولن تستجيب. فهل يعقل لأبناء ثورة صالح العلي أو ثورة سلطان باشا الأطرس أو ثورة يوسف العظم ضد الاستعمار أن تحني رأسها للصهيوني الذي يحاول تسيّد المنطقة؟ خاصة والنظرة الوحدوية فيما أعلنه شيوخ أبطال جبل العرب، وشيوخ الطائفة الإسلامية العلوية الكريمة بالبلاد.
إن الصهيوني باحتلاله مواضع في سوريا يقدم نفسه عدوًا للثورة السورية بكل وضوح، ويقدم نفسه عدوًا لكل شعوب المنطقة خاصة الشعب السوري الشامي كله (فلسطين وسوريا والأردن ولبنان)، بل وما جاورهما، وكل الأمة فكيف له أن يقدم نفسه صانع سلام، وهو ما زال يخوض ببحر دماء الأبرياء في فلسطين وخاصة غزة في أكبر مقتلة ومجازر وعدوان إبادة منذ الحرب العالمية الثانية، مارس فيها حقده ومتعته العنصرية بالقتل الجماعي والذبح والسلخ والطرد.
نعم، قد يتنقل الإنسان بين الأمل والحذر، وهذه سمة الفلسطينيين عامة الذين اكتووا بنار الاحتلال، وتخلّى كثير من أنظمة العرب عنهم في مراحل عديدة، حينما كان تدخلهم يصنع فرقًاً، وهو ما كان أيضًا من تخليات نظام الأسد. ونعم فإن الحذر واجب والأعمال على الأرض هي منطلق النظرة الايجابية ومفتاح السرور، أو مزيد من الغم والحزن والقهر الذي يعيشه الفلسطينيون.
جغرافيا ولربما تنظيمات سوريا الحالية مقسمة بين دول إقليمية وتلك الدولية، وفيها مناطق ليست موحدة، أي أن التقسيم واقع منذ زمن النظام المخلوع، والمطلوب من الحكم الجديد هو إعادة توحيد الأجزاء ضمن دولة القانون والمواطن والمؤسسات والديمقراطية التي تحدث عنها أحمد الشرع، فلا نكون سلبيين بالتعامل مع العقل السوري الذي يحتفظ بآلاف العلماء والقانونيين والمفكرين والباحثين والأدباء الذين أثروا على حضارة المنطقة والأمة، وقادرين على تلمس مخارج الصراع ومكامن التقدم إلى الأمام.
نعم يحق لمؤيدي النظام الآفل أن يتحسروا على غفلتهم من نظام ما كان إلا صاحب شعارات أتعبت الثورة الفلسطينية ولبنان كما أرهقت السوريين، بل والأمة ككل، إذ كان شعار "التوازن الاستراتيجي" و"الرد بالوقت المناسب" حبرًا على ورق، وللاستغلال العربي والمحلي.
لا نريد أن نعيش همّ بلدنا سوريا قط، فلدينا ما يكفينا من الهموم، لأن قدرتها على إدارة الصراع والفوز بالمستقبل ونجاتها من التحارب أو التقاتل (الذي يتوقعه البعض، ويرغبه البعض الآخر)، كما نجاتها من أفكار التقسيم المطروحة كذاك البلد وغيره هو نجاة لفلسطين وقوة للقضية الفلسطينية وللأمة، أو هكذا نريد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها