الثقافة والمعرفة هما ركيزتان أساسيتان في  التحرر  وبناء المجتمعات والدول، حيث يشكلان معًا القوة الناعمة التي تسهم في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الوعي الجمعي.
وفي السياق الفلسطيني، تتعاظم أهمية الثقافة والمعرفة بالنظر إلى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الاستيطان والتهجير القسري.
فالثقافة والمعرفة ليستا مجرد أدوات للتعبير عن الهوية، بل هما وسائل استراتيجية في مقاومة الاحتلال وتعزيز الصمود وإفشال مخططاته والعمل على التحرر والتحرير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

- الثقافة كحاضنة للهوية الوطنية الفلسطينية:

منذ بداية المشروع الصهيوني، واجه الشعب الفلسطيني محاولات ممنهجة لمحو هويته الثقافية والمعرفية وتزييف تاريخه وإسقاط هويته الحضارية.
إلا أن الثقافة الفلسطينية، عبر الأدب والشعر والفن والتراث الشعبي وشتى أصناف المعرفة التي تعلمها وأتقن الشعب الفلسطيني استخدامها في مواجهة المشروع الصهيوني، قد لعبت دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني وتعزيز صموده.
الشعراء مثل محمود درويش وسميح القاسم وغيرهم، والفنانون التشكيليون مثل ناجي العلي،  واسماعيل شموط وزوجته تمام شموط والأخوين عبدالرحمن ومحمد المزين وغيرهم، حملوا لواء القضية الفلسطينية وجعلوا من الثقافة والفن والأدب أداة مقاومة حقيقية وأداة بناء للشخصية وللهوية الوطنية.

الثقافة الفلسطينية ليست مجرد توثيق للماضي، بل هي أيضًا وسيلة لبناء المستقبل وانتاج المعرفة ورفع الوعي وتصليب الصمود في وجه المحتل الغاصب.
من خلال تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي والمعرفي، يُمكن للأجيال الجديدة أن تستمر في مقاومة الاحتلال ليس فقط بالوسائل التقليدية، بل أيضًا عبر الفعل الثقافي والمعرفي والإبداعي.

- المعرفة كأداة لبناء الدولة وتحدي الاحتلال:

المعرفة تُعد القوة الحقيقية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تسهم في تمكين الشعب الفلسطيني من فهم حقوقه وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، من خلال التعليم والبحث العلمي، يستطيع الفلسطينيون بناء القدرات الذاتية التي تُعزز مناعتهم المجتمعية وتعزز صمودهم فوق أرضهم وبقائهم شوكة في حلق الغاصب والمحتل  لوطنهم.
الجامعات الفلسطينية مثل جامعة بيرزيت وجامعة النجاح الوطنية وجامعة الأقصى والأزهر والقدس المفتوحة والكثير من الجامعات التي تأسست في ظل السلطة الفلسطينية، تُعد مراكز إشعاع معرفي  وثقافي تُساهم في إعداد جيل من المثقفين والعلماء والقادة والمناضلين القادرين على الإبداع والابتكار ومواصلة الصمود وقيادة الشعب في مواجهة خطط المحتل حتى نهاية  الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال.

علاوة على ذلك، يمكن استخدام المعرفة لتوثيق الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ونشرها على الساحة الدولية، مما يُحرج الاحتلال ويفضح سياساته أمام المجتمع الدولي ومحاسبته أمام القضاء الدولي على جرائمه التي يرتكبها في حق الشعب الفلسطيني.
العمل الأكاديمي والإعلامي المستند إلى حقائق ومعطيات دقيقة يُساهم في كسب التضامن الدولي ودعم القضية الفلسطينية.

- تكامل الثقافة والمعرفة في مواجهة الاحتلال:

الثقافة والمعرفة متكاملتان في المشروع الوطني الفلسطيني، فعندما يُنقل التراث الثقافي الفلسطيني عبر وسائل معرفية حديثة كالأفلام الوثائقية والمنصات الرقمية، فإنه يصل إلى جمهور أوسع ويُحقق تأثيرًا أكبر. كما أن المعرفة تُساهم في تطوير أدوات التعبير الثقافي لتكون أكثر انسجامًا مع العصر الحديث، مما يُعزز من قوة الرسالة الفلسطينية.
على المستوى السياسي، يمكن للثقافة والمعرفة أن تُستخدما لدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وفق قرارات الشرعية الدولية. من خلال تسليط الضوء على حقوق الشعب الفلسطيني التي نصت عليها القرارات الأممية، مثل القرار 181 الذي أسس لحق إقامة الدولة الفلسطينية والقرار 194 الخاص بحق العودة، والقرار 242 الذي يؤكد على الانسحاب من الأراضي المحتلة والكثير من القرارات الأممية التي تؤكد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، يمكن لها تعزيز الموقف الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية.

- الحرية والتحرير والاستقلال غاية تستحق النضال الثقافي والمعرفي

إن الحرية والتحرير والاستقلال لا يمكن تحقيقهما فقط عبر العمل السياسي والمقاومة المسلحة فقط، بل يتطلبان أيضًا نضالًا ثقافيًا ومعرفيًا، هذا النضال يُعزز من تماسك المجتمع الفلسطيني، ويُكرس قيم الوحدة والصمود في مواجهة المحتل.
التعليم الثقافي والسياسي، الذي يُبنى على أسس معرفية متينة، يخلق جيلاً واعيًا بمسؤولياته وقادرًا على استكمال مسيرة النضال والصمود حتى تتحقق أهداف الشعب الفلسطيني في انتزاع كامل حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف في وطنه.

وفي النهاية، يُمكن القول أن الثقافة والمعرفة هما عمودا المشروع الوطني الفلسطيني، حيث يُسهمان في بناء مجتمع قوي ومتماسك ودولة فلسطينية قوية قادرة على مواجهة التحديات عبر استثمار الثقافة والمعرفة، ويمكن للشعب الفلسطيني أن يواصل مسيرته نحو تحقيق حقوقه المتمثلة في حق العودة والحرية والاستقلال، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، مستندًا إلى قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
لذا نؤكد على أهمية الثقافة والمعرفة وقد كانا أساس الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده وإبراز عدالة قضيته على المستوى العالمي  وفي كافة المحافل والميادين.
وهنا يبرز دور المثقف والثقافة الوطنية الفلسطينية قديمًا وحديثًا ممثلة بكافة أصناف الثقافة والمعرفة في كل الميادين والمحافل المحلية والإقليمية والدولية الرافضة والشاجبة والمستنكرة لمخططات العدو الإقتلاعية والتصفوية للشعب الفلسطيني ولقضيته، والمرسخة لحقوقه ومطالبه المشروعة في وطنه فلسطين.