نجح قادة حماس بابتداع معنى للعدالة، فطبقوا تفسيراتها وتأويلاتها على الأرض، وفازوا بأسبقية تجسيد البدعة بدون منازع، رغم اقرارهم في أدبياتهم وخطبهم المنبرية أن "البدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
فهؤلاء باعتبارهم امتدادًا عضويًا لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، ما زالوا يظنون بقدرتهم على تمويه (الدجل) و(النفاق) و(الكذب) في عملية اختراق المجتمع، ببعض مصطلحات دينية ووطنية وسياسية، وتبرير فشلهم في الدعوة، والحكم، والجهاد والمقاومة، بإغراق الشارع الفلسطيني بـ "طوفان" وعود، وقرارات، وفتاوى، وتأويلات حول المظلومين وضحايا الإبادة، والخطاب العقيم، يكاد المرء يجن وهو يبحث عن أصل لها في العقيدة السماوية، ومناهج العمل الوطني والسياسي، فلا يجد، ولو بمقدار حرف واحد من لغات أهل الأرض كلها، وفي مخطوطات الكتب المقدسة، والمجلدات المذهبة التي يزينون بها رفوف مكتباتهم.
وزد على ذلك لا أصل لها في قواميس علومهم السياسية، فهذا الدكتور الجراح باسم نعيم الذي كانت مهمته العناية بصحة المواطنين، باعتباره وزيرًا للصحة في أول حكومة شكلتها حماس سنة 2007 بعد الانتخابات التشريعية، يقف على كتب علم جراحة جسم الإنسان ليتخذ مكانًا يظنه عاليًا. لإقناع مليوني مواطن فلسطيني وأكثر في قطاع غزة، دمرت بيوتهم، وقتل أبناؤهم بالجملة، وأُحرقت أرزاقهم، وتلوثت أراضيهم الزراعية بإشعاعات قنابل جيش الاحتلال وقذائفه وصواريخه، لإقناعهم بقبول جريمة الإبادة الصهيونية الدموية المدمرة، والتسليم بالكارثة والنكبة اللامسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، ويعدهم ببيوت في الدار الآخرة "الجنة". في محاولة لمنع ضحايا سياسة حماس المتهورة، من التفكير بمحاسبة من تسبب بالكارثة، باستغلال وعد الله للمؤمنين الصادقين الصابرين والمظلومين، بأحسن مقام، في يوم الحساب الإلهي، في اليوم الآخر، مستنسخًا دور كهنة (صكوك الغفران) في القرون الوسطى (عهد الانحطاط) في أوروبا، وممارسًا (الدجل) في القرن الواحد والعشرين، أما عدالة حماس التي وصفها مشير المصري يومًا بأنها: "قدر الله على الأرض" فلا برهان عليها أحسن من (الطوفان) الذي اتخذته منظومة الاحتلال الاستعمارية العنصرية (إسرائيل) ذريعة انتظرها نتنياهو على أحر من الجمر، فهو القائل: "لولا السابع من أكتوبر لما كان لدينا الشرعية المحلية والدولية لإعادة احتلال غزة"، لذلك سارع لنسف أعلى الأبراج السكنية والفيلات الفخمة في مدن القطاع، وكذلك فعل ببيوت المخيمات والقرى والبلدات وكل معالم غزة الحضارية والمدنية، وجعل ركامها وجثامين الشهداء المطمورة تحتها، الفقراء والأغنياء سواء، معيارًا للمساواة.
أما غازي حمد، صاحب مقولة: "سنكرر الطوفان مرة ثانية وثالثة ورابعة" فإنه يطمئن نتنياهو على قدرة جماعته بمنحه الذرائع حتى "آخر طفل في غزة" كما قال رئيس حماس يومًا. فيبرهن على تجرد جماعته من أسلحة: العقل والحكمة، والوعي، والانتماء الوطني، والحس الإنساني، والرؤية السياسية، فهذا الطبيب هو عضو المكتب السياسي لحماس، وناطق أسبق بلسان جماعته قد لبس ثوب (إمام معصوم) يقرر الحرب متى شاء، ويزج بملايين الفلسطينيين الأبرياء في طواحينها، وكأنه لا يعلم محاولة الانتحار الشخصي جريمة يعاقب عليها القانون، فما حال من يرتكب جريمة نحر شعب، أو دفعه للانتحار جماعيًا، ومن يتسبب بإحراق رواية الحق الفلسطيني، بسبب إصراره على تطبيق مقولة: "أنا أو لا أحد"، فهذا الهارب من غزة، يرسم مصير البلاد والعباد، ويتوعد، غير مكترث، ويبرهن أن مفهوم الحرب وقرارها عنده وعند جماعته، كرغبة مراهق يسعى للفوز بلقب بطل، بلعبة (البابجي) الإلكترونية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها