غزة/ خاص/ مجلة القدس

حين انقلبت حركة "حماس" على السلطة الوطنية الفلسطينية وجرى ما جرى كان السبب الرئيس لهذا الانقلاب بحسب زعمهم تحقيق الأمن والأمان للمواطن، ولكن سرعان ما انتشر الموت والقتل تسجل أغلبها ضد مجهول أو يتم القاء القبض على الجناة دون تنفيذ عقوبات أو الإعلان أن القتيل قتل في مهمة جهادية .. والحقيقة الأكيدة أن عدد الجرائم قد ازداد وازداد معها الشعور بالحزن والألم لعائلات لا تعرف من قتل أبناءها أو من سيعيد لها حقها، لسان حالها يقول "حسبنا الله ونعم الوكيل".

ومن هذه الحالات التي حصل أخيراً في القطاع،  قتل المواطن محمود أحمد المصري، 21 عاماً من مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، متأثراً بجراحه التي أصيب بها على أيدي مجهولين، وتشييع عشرات آلاف المواطنين بمحافظة خان يونس جثمان الطفل المغدور عبد الله محمود أبو معمر (11 عاماً) والذي تم العثور على جثمانه مدفوناً بعد اغتصابه وقتله، وقتل الطفلة ميسون ابو منديل(11عاما) من القرارة جنوب غزة حيث عثرت عليها عائلتها مشنوقة بحبل مربوط بشجرة.

بالإضافة إلى تشييع جماهير غفيرة من مدينة دير البلح بالمنطقة الوسطى جثمان الشاب المغدور ساهر القرعان الذي خرج باحثا عن لقمة عيشه فاصطاده فلتان الجائعين فقتله وسرقت سيارته، ويذكر أن والد أحد هذين المجرمين يعمل قاضيا في إحدى محاكم "حماس".

 

وكان مجهولون قتلوا المواطنة جبرية أبو قينص (62 عاماً) بالرصاص اثناء جلوسها وزوجها أمام منزلها في حي الجلاء بغزة، وقتلوا المواطنة شيرين زايد (العطار)، من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، على خلفية ما يسمى بـ"قضايا شرف العائلة"، وأفاد والد القتيلة بأن خمسة مسلحين ملثمين قد اقتحموا منزله وسحبوا ابنته إلى خارج المنزل ومن ثم أطلقوا النار عليها.

وكان مواطنون عثروا على جثة الشاب أحمد علي عصفور بعد قتله بحجر بناء في شقة غير جاهزة بمنطقة تل الهوى غرب مدينة غزة، وفي ذات السياق أشارت مصادر فلسطينية الى انه عثر على الفتى جهاد غنيم (17 عاماً) مقتولاً في شقة أحد عناصر المكافحة في شرطة "حماس"، بمنطقة دير البلح بعد تعرضه للشبح والتعذيب،كما عثر على جثة المواطن سامي محمد بكير عنان(39 عاماً)، من سكان حي الصبرة مقتولاً وملقى في أرض بالقرب من موقع الأمن الوطني سابقاً "فايز جراد" في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، نتيجة تعرضه للصعق بالكهرباء في يديه وحقن السم فيها.

 

تصفيات داخلية ومهمات جهادية

تقول التفاصيل أن العثور على جثة سامي عنان وهو أحد كوادر حركة "حماس" مقتولا بحقن السم في كلتا يديه يأتي في سياق التصفيات الداخلية داخل الحركة، بحيث نشطت تلك التصفيات بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.

 

كما جاء مقتل "عنان" بعد أقل من 24 ساعة من العثور على جثمان الشاب نضال أبو عمران (22 عاماً) داخل نفق مهجور يقع قرب حي الجرادات، المحاذي للحدود المصرية الفلسطينية جنوب شرقي محافظة رفح. ووفقاً لمصادر متعددة فإن الجثة وجدت ملقاة داخل نفق مهجور ومتوقف عن العمل، وملابسات الوفاة،يشوبها الكثير من الغموض. وفي نفس الظروف عثر قبل ذلك على جثة منير ورش اغا ومنير برجس وهما من قيادات حركة "حماس" شمال قطاع غزة داخل احد الأنفاق برفح والأسباب مجهولة .

وفي ذات سياق "المهمات الجهادية" اعلنت "حماس" ان اثنين من كوادرها قتلا على الحدود مع "اسرائيل" وهما الشقيقان يعقوب وأحمد نصار، وتقول المصادر الخاصة ان "حماس" اجبرت الشقيقين على قيادة سيارة جيب والتوجه نحو منطقة "تماس" ليقتلا بعبوة ناسفة، معلنة انهما كانا في مهمة جهادية، خوفاً من العار فيعقوب نصار كان المرافق الشخصي ليوسف الزهار عندما كان مسؤولاً للقوة التنفيذية ومن بعدها حينما تحول إلى وزارة المالية، وكان شقيقه أحمد نصار أحد قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام. وينتمي الاثنان الى عائلة كبيرة ومتفرعة تنتمي جميعها للحركة، وقدمت العديد من الشهداء علما بأن أمن داخلي "حماس" كان قد اعتقلهما الاثنين قبل عام وبحسب ما تسرب من معلومات فان الاثنين اعترفا بالعمالة لاسرائيل والمشاركة في قتل قيادات فلسطينية في قطاع غزة مثل عبد العزيز الرنتيسي وعمر ابو شريعة "أبو حفص" قائد كتيبة المجاهدين، واحمد عوض مسؤول التصنيع في كتائب القسام وماجد الحرازين من قيادات سرايا القدس.

وأنباء أخرى تسربت عن تصفية "حماس" لأحد كوادر القسام ويدعى وجدي سمير صيام من منطقة الزيتون شرق غزة بتهمة التخابر مع العدو وأعلنت عن وفاته خلال مهمة جهادية.

 

وهكذا يستمر مسلسل العثور على القتلى من كوادر "حماس" وكتائب القسام في عدة مواقع تعرضت اما للقصف الاسرائيلي او للانهيارات كالانفاق، ويبقى الإعلان عن مقتلهم اثناء تنفيذهم لـ"مهمات جهادية"  لا يعلم طبيعتها إلا الله وحده.

 

 

عربدة شرطة "حماس"

صيغة أخرى للموت في قطاع غزة، فالشاب إسماعيل ابو عامر من المنطقة الشرقية بخان يونس جنوبي القطاع، قتلته شرطة "حماس" من نقطة "صفر"، بعد "طوشة" حدثت بين عائلته وعائلة أخرى تطورت للتدخل إلاّ أن إسماعيل حاول اعتراض الشرطة من اقتحام منزله كي لا يكشفوا النساء فدخلوا وانتشروا بالبيت رغما عنه، وحاول مرة أخرى اعتراضهم كي لا يكشفوا النساء في الغرف، فسحبه رجال شرطة "حماس" الى الخارج ، وامام عيون جميع الشهود صوب شرطي سلاحه لظهر الضحية  الممدد أرضاً وأطلق رصاصته عن مسافة العدم ( صفر) ليغرق  إسماعيل في دمه ويسقط في حالة "موت سريري". وكانت داخلية "حماس" اعتبرت الحادث جرى بسبب "رصاصة بالخطأ" من سلاح الشرطي.

 

منتمٍ لحركة "فتح"

 

أما المغدور محمود أحمد المصري (21 عاماً) الذي ورد ذكره في أعلى التقرير فقد أصيب بسبعة أعيرة نارية في قدميه، أطلقها نحوه مسلحون ملثمون عندما كان يقف أمام منزله، ونقل إثر ذلك إلى المستشفى نتيجة حدوث نزيف جراء تقطع الشرايين والأوردة، إلا أنه توفي إثر ذلك.

 

كذبة صواريخ المقاومة والانفجارات الداخلية  

ولصواريخ المقاومة ايضا نصيب كبير من قتل البشر في غزة، فقد قتل المواطن إبراهيم سليمان الملالحة، (18 عاماً)، وأصيب أربعة من أفراد أسرته بجراح، جراء سقوط قذيفة على منزلهم، إلى الغرب من مدينة خان يونس، وذلك أثناء تدريبات لكتائب عز الدين القسام في احدى المحررات جنوب قطاع غزة.

 

كما قتل أحد أفراد كتائب القسام ويدعى أبو دجانة عبد الرحمن عبد الله عبد الرحمن (23 عاماً) من حي الشيخ رضوان بغزة، في انفجار غامض بمنزله واصيبت زوجته وطفليه، وذكر الموقع الرسمي لكتائب القسام، الجناح العسكري للحركة بأن القتيل قضى في مهمة جهادية.

 

المراكز الحقوقية : الجرائم في غزة كسرت نظرية الأمن والأمان

جرائم القتل في قطاع غزة الأخيرة المتنوعة وبحسب المراكز الحقوقية دمرت نظرية الأمن والأمان في قطاع غزة، إذ يدينها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في كل بياناته، مدرجا ذلك ضمن حالة الفلتان الأمني وفوضى انتشار السلاح.

وتصنف احصائية حصلت عليها مجلة "القدس" من مركز الميزان لحقوق الانسان مسببات القتل إلى تخابر وعمالة، قضايا شرف، شجار عائلي، اطلاق نار، اعتقال، عبث بالسلاح، خلاف في الرأي، تدريب، صراع سياسي، جسم مشبوه، أنفاق ونفق داخلي، بغرض السلب، خطف واحتجاز، سطو.

وتشير احصائيات الميزان الى ان 177 شخصا قتلوا في العام 2009 في اطار التصنيفات السابقة و 59 قتلوا حتى اللحظة ضمن احصائية 2010 ايضا في اطار الأسباب السابقة .

 

ويقول الصحفي هشام ساق الله من مدينة غزة "حماس ادعت انها قامت بالانقلاب حتى توقف الجرائم وحالات القتل المنتشرة في زمن السلطة الفلسطينية، ولكن عامت حماس بالجريمة وزادت وتيرتها خلال الأشهر الماضية".

وعن اسباب انتشار جرائم القتل قال ساق الله أن "الفقر والبطالة المرتفعة وعدم وجود رادع لوقف الجريمة هو السبب، مثلاً الشاب من عائلة عصفور قتله مجرمان وسرقا جواله الحديث  من نوع n95 وباعاه ب 100$.

وترى الاخصائية الاجتماعية هبة شريف (45 عاما) ان قلة الدين وانعدام الاخلاق  والبطالة وقلة التوعية الإجتماعية والتفكك الأسري والمجتمعي سبب انتشار جرائم القتل في قطاع غزة، مضيفة ان ما يحدث في قطاع غزة لا يمكن تصوره ولم يحدث ان سجلت مثل هذه الحالات في عددها ونوعيتها في تاريخ غزة.

أما احسان .خ  الذي كان يعمل سابقا في شرطة مباحث غزة ابان السلطة الوطنية الفلسطينية فقد تساءل "كيف خُلق كل هذا الاجرام واين ومتى؟ اغتصاب، سرقة، تعذيب، شجارات عائلية، أسباب مجهولة، مهمات جهادية، انهيارات أنفاق، تصفية حسابات وفلتان أمني مسميات جميعها تودي الى كلمة واحدة هي "القبر" ، لم يحدث هذا الا في زمن حماس".

وقالت والدة إحدى ضحايا القتل على خلفية ما يسمى"شرف العائلة" رفضت الكشف عن اسمها "قتلوا ابنتي بعيدا عن عيني وعن اعين الناس، دون أدنى شفقة أو رحمة، وفي ظل غياب مفهوم الشرف لا نعرف عن أي شرف يتحدثون وقد لفقوا لها قضية مفبركة للتغطية على الأسباب الحقيقية للجريمة، في الواقع قتلها ابناء عمومتها من أجل الميراث".

أما أمل مرشد التي تعمل مدرسة في احدى المدارس الثانوية بغزة قالت  "لا يمكن ان نعتبر ما يحدث في غزة ظاهرة ولكنها سلوكيات فردية فلا نريد التعميم لا اريد ان اشعر اننى اسكن وسط غابة من الذئاب"، مستطردة "الفقر وانتشار الزنا والضغوط النفسية والحصار الخانق والاسقاط والتخابر مع العدو تلك احدى اهم الاسباب المحركة للجريمة في غزة".

 

في مجلة "القدس" فتحنا ملف هذه الجرائم الشاذة والغريبة البعيدة عن قيم ديننا ومجتمعنا، هذه الجرائم وقعت  الواحدة  تلو الاخرى، ليس في شيكاغو او لاس فيغاس بل في مساحة صغيرة من الارض تبلغ (363 كم ) اسمها قطاع غزة.

وما يحدث حلقات من سلسلة جرائم لم يكن يعرفها مجتمعنا الفلسطيني، بدأت منذ الانقلاب تجتاح قطاع غزة لتمثل حقبة زمنية لتاريخ لا بد أن يكتب في صفحات سوداء وبحبر أسود.

وبحيث أنه لا يمكن لإنسان، سواء أكان مسلماً أم ملحداً  أو لا منتمياً، إلّا أن يشعر بالإهانة والدونية إلى أن يصحوا ضمير ذوي الشأن في غزة ويقروا بأن ما يحدث هو جرائم وليست صدف أو مجرد سوء حال، ومع عدم إنكارنا لحقيقة أن المجتمع يتغير بفعل الزمن والسياسة والسلوك والبيئة يستمر الثالوث المرعب (الفقر – البطالة – الفراغ)  في غرز مخالبه فيمن لا حول لهم ولا قوة، رافعاً معدلات العنف والجريمة أكثر فأكثر.