الصحة والعافية هما من اهم واجمل ما يمتلك الانسان، إذ رحلة العذاب تبدأ مع كل مرض سواء في القلب أو الكلى أو الأعصاب أو مهما كان نوعها. أمراض بحاجة الى جهود جبارة للشفاء منها او حتى متابعة علاجها، ولكن ان كنت فلسطينيا ولست صاحب مال أو جاه، قد تموت على احد مداخل المستشفيات. ففي منطقة البقاع وحدها تم احصاء 15 حالة سرطان، وثلاث حالات أعصاب، و6 حالات غسيل دائم للكلى. و"القوي" منهم من يدبر أمر نفسه بنفسه. تذهب الى المستشفيات فيقولون لك ان الأونروا هي المسؤولة، تذهب للأونروا يقولون لك أن العلاج المطلوب غير مسجل تحت لوائح الخدمات الصحية وما يستطيعون فعله هو تقديم رسالة رسمية بأن هذا العلاج غير متوفر/ وبالتالي عليك الذهاب "للتسول" من مؤسسات المجتمع المحلي. وهنا حدِّث ولا حرج عن تلك التي ستعدك بتغطية 10% من الفواتير المقدمة، ويبقى عليك فقط "تدبير راسك" وتامين نسبة ال90% المتبقية! فلا منظمة التحرير استطاعت ان تعمل ما هو واجب عليها، ولا من يدعي انه يريد تحرير فلسطين مستعد ان يقدم برنامجا عمليا كاملا لمعالجة هذه المعاناة، لتبقى صورة هذه الحقيقة حكرا على تقرير هنا أو تحقيق هناك في جريدة أو اذاعة أو تلفزيون.

يعاني محمود جمعة (18 عاما) من البقاع من مرض التصلب اللويحي الذي يؤدي الى شلل نصفي في الجسم وقلة من الذين يصابون به ينجون، ويحتاج علاج محمود ثلاث سنوات على الأقل، بكلفة لا تقل عن 1500دولار شهريا ثمن الابر ولوازمها. والسؤال هنا "كيف بدك تدبر مصاري؟ ومين فينا قادر؟ لا الأونروا ولا أي جهة غيرها تساعدك". ويشتكي انه على الرغم من رفعه رسالة للمكتب الصحي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا انه "ما حدا رد" وقالوا أن المسؤول تغيّر. عذر قُدِّم في المحاولة الثانية، ويبدو انه دائم الاستخدام هناك. ثم لجأ لوكالة الغوث واجتمع مع نائب المدير العام ولكن "ما في رد"، شارحا "انا استخدم دواء اسمه Avonex   ساعدتني بدفع تكاليفه  جمعية اوروبية عن طريق الهلال الأحمر لمدة 3 اشهر فقط...والله راح نموت ونحنا ناطرين".
تبلغ زهراء عبد السلام طه من العمر 11 عاما وتعاني من نقص في هرمون النمو وضمور في الكلى كلفة العلاج 800 دولار شهريا ولكن المساعدة التي استلمتها من الأونروا هي لثلاث مرات بقيمة 2200 دولار منذ ولادتها فقط، وكانت المساعدة مشروطة من قبل الدكتور جميل يوسف بان لا تطلب أي مساعدة لاحقة، إلا انها حصلت على مساعدة بفضل علاقات مدير الأونروا السابق فؤاد شحادة الذي أمَّن لها كمية من الدواء. ونظرا لأن حالة زهراء هي منذ الولادة ولا زالت بحاجة للمساعدة، ونظرا لان  والدها سائق سيارة أجرة، تضطر للتسول والوقوف على ابواب المساجد لطلب المساعدة، إذ لديها تكاليف باهظة من أجل غسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيا.
أما في حالة فاطمة خالد دبدوب، يعمل والدها بائعا للخبز متجولا في سيارته، بكل ما أمكنه لدفع تكاليف علاجها، ففاطمة منذ نعومة اظفارها وهي تغسل كليتيها في مستشفى دار الأمل الجامعي حيث خلقت لصغرها جوا جميلا من الزمالة والمحبة مع طاقم العمل في المستشفى، وحيث تعمل مساعدة لجهاز التمريض والمتابعة للمرضى الآخرين. تراها تتحدث وتبتسم وتسأل عن الكل والكل يسأل عنها حتى اصبحت تبعث الأمل بابتسامتها التي لا تفارقها.
سليم نجم (32 عاما) يمتلك دكاناً صغيراً لبيع السكاكر في حي الصفافرة في المخيم ويبلغ انتاجه الشهري الصافي 200000 ليرة لبنانية، اصيب بمرض "صفيريط في الدم يؤدي لالتهاب الكبد منذ شهرين، وهو بحاجة لعلاج مدته سنة تكلف تكاليف علاجه شهريا 1200دولار. والأنكى هو مرض زوجته بنقص الأنزيمات والتي بحاجة الى 15 ابرة كل 18 عشر يوما اي 55 مليون ليرة لبنانية كل ثلاثة أشهر. تم مساعدته ب1500دولار منها عن طريق مكتب الضمان التابع لمنظمة التحرير.
وفي حال عائلة محمد المصاب بمرض كهرباء الرأس وامراض معوية مزمنة يعمل في حدادة السيارات التي لا تكفيه ثمن ادوية له ولأخيه احمد الذي يعاني من هبوط في غشاء الأمعاء وشلل في اليد وكهرباء في الرأس والتي اضطرته لترك المدرسة منذ الصغر، ونظرا لأمراضه فهو بحاجة لطبابة دائمة لا يستطيع تغطية تكاليفها بسبب عجزه عن العمل. اما علي ابن اخيهما حسين فالتقط جرثومة اثناء علاجه في أحد المستشفيات سببت له تشوها في عظام الصدر والمفاصل والحوض والقلب، ويحتاج لفحوصات مخبرية وصور لمتابعة الحالة تكلّف مبلغا بقيمة الف دولار كل ثلاثة أشهر، حصل على مساعدة رمزية من فاعل خير. إلا ان والده، الذي يعمل في صيانة ماكينات البنزين، تعرض لحادث في سيارته كلفه 20 مليون ليرة لبنانية كتعويض للمتضررين جرّاءه، المبلغ يفوق قدرته فاستدان من الناس وأوقف علاج ابنه المُكلِف خوفا من ملاحقات قانونية او توقيفات بسبب تخلفه عن دفع التعويضات.  اما الوالدة فتعاني من آلام الديسك وبحاجة لصور مغناطيسية قبل الجراحة لا تملك حتى تغطية تكاليفها.
بالنسبة للطفلين خلود وهشام  فمصابان بمرض الروماتيد وهو نوع صعب من الروماتيزم بحيث لا يستطيع الطفل خدمة نفسه بنفسه ولا حتى بذل أقل مجهود حركي، وبالتالي هما بحاجة لرعاية ومتابعة خاصة في كل لحظة كدخول الحمام، وارتداء ثيابهما ونقلهما للمدرسة، وادخالهما الى الصف وغيرها. أما المشكل الأكبر هي انقطاع والدهما وليد عن العمل للاعتناء بهما كونه هو من تولى مسؤولية رعايتهما بعد طلاقه من والدتهما.  ويقول شارحا "تكفلت مؤسسة MPDL تجهيز الحمام في البيت، وبعض الدواء أخذه من الأونروا والبعض الآخر مساعدة من بعض المؤسسات إلا أن الحاجة كبيرة والموجود قليل". وفي سياق آخر، يشير وليد الى وجود حالات انفصام في الشخصية، ومنغوليا، وصرع، وغيرها بحاجة لمراكز متخصصة غير موجودة في منطقتنا وموجودة في بيروت والمدن اللبنانية الأخرى، متسائلا لماذا تم نقل مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني الذي كان موجودا في المنطقة ونقل معداته وتجهيزاته الى مستشفى الناصرة في برالياس؟ يجيب: "ربما بقرار إداري غير مصيب فأصبح المستشفى في بعلبك أقل من عيادة. ويوضح أنه على مدار 10 سنوات تم مراسلة كافة المسؤولين في منظمة التحرير والفصائل، إلا انها بقيت في الأدراج"، واصفا ذلك بإهمال "متعمد من قبل المسؤولين القيِّمين على الواقع الفلسطيني وترك متعمد لتأهيل الكادر الطبي الموجود وتامين المستلزمات الضرورية له".
هذه فقط عينة لحالات مرضية صعبة موجودة في مكان بالكاد يتجاوز كيلو مترا مربعا، حالات غالبيتها لأطفال. حالات لا يشعر بها إلا أصحابها، في ظل غياب وتقصير القيِّمين على واقع المخيم، وغياب مشاريع مالية تدعم علاج من ينتظر منهم التفاتة مسؤولة فقط!