في كل أشكال الاستعمار القديم والجديد لا يوجد قضاء مستقل، أو محايد، لأنه جزء لا يتجزأ من منظومة الاستعمار، يخدم توجهات وسياسات المستعمرين ضد الشعوب المغلوبة والواقعة تحت نير الاستعمار، ويخطئ من يعتقد للحظة بإمكانية الرهان على محاكم المستعمرين، دون أن يلغي ذلك التوجه لتلك لمحاكم لفضح وتعرية القضاء الاستعماري أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وإن أمكن انتزاع أي مكسب مهما كان محدودًا في أي قضية من قضايا الشعوب المستعَمرة، فهذا جيد ويساعد الشعوب وقواها الوطنية في تعزيز نضالها الخاص والعام، بيد ان تلك المكاسب الجزئية والصغيرة لا تلغي المبدأ الناظم لجوهر ومحتوى القضاء الاستعماري، الذي وجد لخدمة أهداف وغايات المستعمرين.
وهذا ما عكسه بشكل عنصري وإبادوي قرار ما يسمى محكمة العدل العليا الإسرائيلية يوم الخميس 27 آذار/مارس الحالي في رفضها التماس الاستئناف لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ الثاني من آذار/مارس بعد فتح دولة الإبادة الإسرائيلية نيران الإبادة الجماعية فجر الثلاثاء 18 من الشهر ذاته. وتذرعت المحكمة العليا بإصدار قرارها المخالف لأبسط القوانين الدولية، بالقول: "إن التزامات الاستعمار الحربي في القانون الدولي لا تنطبق على دولة إسرائيل في جميع الأمور المتعلقة بقطاع غزة". لتبرهن بشكل معلن مجددًا، عن انتهاك المحكمة الإسرائيلية للقانون الدولي بشكل جائر، ولتؤكد للمرة الألف والمليون إنها جزء لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية المتكاملة في مواصلة الإبادة الجماعية على قطاع غزة بشكل منهجي مع كافة المحاكم بمسمياتها المختلفة، وبالتساند مع المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية.

وتكون المحكمة العليا بقرارها الجديد أضفت شرعنة استخدام سلاح التجويع والموت المعلن لدولتها، دولة الإبادة الجماعية على الجماهير الفلسطينية في القطاع، ولتمنح جيشها وسلطاتها الحاكمة غطاءً "قانونيًا" مزيفًا، ولتعكس قانون الغاب الإسرائيلي ضد الأطفال والنساء والأبرياء من الفلسطينيين في عقاب جماعي لا يتسق مع أي من القوانين والمعاهدات الدولية، ويخالف في تناقض صارخ مع قواعد القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، والمعترف بانطباقها وفق المعايير الدولية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن أنه ينتهك بشكل خطير تدابير وقرارات محكمة العدل الدولية الصادرة في 26 كانون الثاني 2024، كرد أولي على دعوى دولة جنوب إفريقيا القضائية على دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، ويتناقض مع رأيها الاستشاري (المحكمة الدولية) في تموز/يوليو 2024.
وكانت حذرت المنظمات الحقوقية الدولية، ومنظمات هيئة الأمم المتحدة المختلفة من المجاعة المتفاقمة والمتسارعة وانعكاساتها المباشرة على الأطفال، حيث توفي العديد منهم نتاج الحرمان من أبسط مقومات الحياة، نتاج منع دولة الإبادة الإسرائيلية من إدخال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة بذرائع وهمية وكاذبة لقرابة الشهر، لتحرم نحو مليوني و300 ألف إنسان في القطاع، وجلهم من الأطفال والنساء من الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية والماء والكهرباء والوقود على مدار عام ونصف العام لتحقيق أكثر من هدف في آن واحد، أولاً استخدام الحرمان من إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع كسلاح لتعميق الإبادة الجماعية؛ ثانيًا التضييق على أبناء الشعب لدفعهم للتهجير القسري؛ ثالثًا للضغط لابتزاز الشعب وقواه للاستسلام لمشيئة واملاءات دولة الإبادة الجماعية؛ رابعًا لتعزيز موقع واستمرارية رئيس الحكومة نتنياهو في الحكم، ولحماية الائتلاف من التفكك؛ خامسًا لإيهام الرأي العام الإسرائيلي بتحقيق هدف "النصر الكامل"؛ سادسًا وبالاستفادة من الدعم المعلن لإدارة الرئيس ترمب لخيار الإبادة الجماعية.

وللأسف الشديد، يتناغم التجار من أبناء جلدتنا الفلسطينية مع عملية الحصار الظالم والاجرامي برفع الأسعار بشكل جنوني بلغ نحو 300% على كل السلع والبضائع لمضاعفة الإبادة على الشعب، الذي تم افقاره وتجويعه بشكل لا أخلاقي ويتناقض مع القيم الوطنية والإنسانية، حتى ان سماسرة البنوك الذين يعملون في الصرافة ضاعفوا من رفع عمولتهم على التحويلات البسيطة للمواطنين من ذويهم في الخارج لنحو 40% في سعار غير مسبوق في تاريخ المعاملات البنكية. ويتكامل مع ذلك، استمراء قيادة الانقلاب بالتشبث بالبقاء في خنادق الامارة، وقامت خلال الساعات الـ72 الماضية باغتيال ما يقارب الـ10 مواطنين، مما قادوا الحراك الشعبي الذي بدأ مساء 25 آذار/مارس الحالي، والحبل على الجرار، وهو ما يكشف كذب تصريحات بعض قياداتهم، من انهم لا يريدون البقاء في الحكم، واستعدادهم لتسليم اللجنة المشكلة من أبناء القطاع لإدارة شؤون المواطنين خلال المرحلة الانتقالية.
عناوين متداخلة في مضاعفة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، تتطلب أولاً من الهيئات الأممية، والأقطاب الدولية ودول العالم وفي مقدمتها الدول الشقيقة للتدخل العاجل لوقف الإبادة الجماعية من قبل دولة الإبادة الإسرائيلية، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل يومي وبكميات كبيرة وفق اتفاق الدوحة، وإدامة وقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في أرجاء الوطن كله، وتأمين الحماية الدولية، والذهاب لمؤتمر دولي للسلام.