انعقد يوم الثلاثاء الموافق 4 آذار 2025 القمة العربية الطارئة في القاهرة، في تاريخ يحمل دلالات رمزية وتاريخية كبيرة. حيث أن هذا اليوم يعد شاهداً على محطات فارقة في التاريخ الفلسطيني والعربي، وقد أصبح عام 2025 محطة اختبار جديدة للإرادة العربية. فهل ستنجح هذه القمة في تعديل المعادلات القديمة، أم أنها ستكون مجرد يوم آخر يضاف إلى سجل التراجعات؟.
لا يمكن الحديث عن 4 آذار دون استحضار ذكرى القائد صلاح الدين الأيوبي الذي رحل في مثل هذا اليوم من عام 1193، بعد أن حرر القدس وأثبت أن الإرادة هي السلاح الأقوى في استعادة الحق. كان صلاح الدين رمزاً للقائد الذي لم يساوم على المدينة المقدسة وترك خلفه وصية بأن تبقى القدس عربية، عصية على البيع والمساومة. ولكن بعد قرون من المجد، جاء 4 آذار 1949 ليشكل نقطة فاصلة في مسار التاريخ، حين حصلت إسرائيل على عضوية الأمم المتحدة، رغم أنها قامت على التهجير والاحتلال. حيث كان هذا اليوم شاهداً على الفشل العربي في التصدي للشرعية الدولية التي مُنحت للكيان الصهيوني.
ثم جاء 4 آذار 2019 ليُغلق باب آخر في وجه العدالة مع إغلاق القنصلية الأميركية في القدس في خطوة عززت الاعتراف بالمدينة كعاصمة لإسرائيل، وكأنها محاولة لطمس الهوية العربية لها، وتجاهل تام للحقوق الفلسطينية. وها نحن اليوم في 2025 حيث انعقدت القمة العربية الطارئة في الرابع من آذار، لتواجه تهديداً جديداً بفعل مقترح أميركي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، في محاولة لحسم الصراع نهائياً لصالح الكيان الإسرائيلي.
جاء انعقاد القمة في هذا اليوم ليثير تساؤلات كبيرة حول قدرتها على تحويل 4 آذار إلى نقطة تحول في مسار القضية الفلسطينية، بدلاً من أن يكون شاهداً على المزيد من الانتكاسات. لقد كانت التوقعات كبيرة، وكان الأمل أن يتجاوز العرب حدود البيانات والتصريحات، ليضعوا حداً لسياسات تهجير الفلسطينيين وتغيير الهوية الديموغرافية للأراضي المحتلة.
أكّدت القمة في بيانها الختامي، رفض تهجير الفلسطينيين وأدانت السياسات الإسرائيلية التي تستهدف تغيير الواقع الديموغرافي، كما دعت إلى تنفيذ حل الدولتين واستئناف مفاوضات السلام تحت مظلة الشرعية الدولية. إضافةً إلى ذلك، تم الاتفاق على نشر قوات حفظ سلام دولية، ودعم الأونروا، وإنشاء صندوق لرعاية أيتام غزة، وتبني خطة عربية شاملة لإعادة إعمار القطاع.
لكن السؤال الذي يطرحه كل متابع الآن: هل هذه القرارات كافية لتحويل مسار التاريخ؟ وهل تملك القمة القدرة على ترجمة هذه الكلمات إلى أفعال حقيقية في مواجهة الاحتلال والتهويد؟.
لقد مرَّ الرابع من آذار عبر التاريخ كسلسلة من الأحداث التي جسّدت عجز العرب عن حماية حقوقهم، بدءاً من شرعنة الاحتلال في 1949 وصولاً إلى تعزيز تهويد القدس في 2019. وما بينهما، كان الفلسطينيون يُسلبون حقوقهم قطعةً بعد أخرى، دون أن يجدوا موقفاً عربياً حاسماً يوقف هذا النزيف.
واليوم، في 4 آذار/مارس 2025، برزت فرصة جديدة للعرب ليتخذوا موقفاً جريئاً يضع حداً لهذه السياسات العدوانية. ليس فقط ببيانات الشجب، بل بخطوات عملية تواجه المخططات التي تستهدف اقتلاع الفلسطينيين مرة أخرى. وقد تكون القمة العربية الأخيرة بداية لمسار جديد إذا تحولت قراراتها إلى أفعال ملموسة على الأرض، فإرث صلاح الدين لا يزال حاضراً، وهو يؤكد أن القدس لا تُباع ولا تُشترى، وأن الحق العربي لا يُستعاد إلا بالإرادة والموقف الحاسم.
إن العرب اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يكون 4 آذار/مارس 2025 يوماً لتغيير قواعد اللعبة، وإما أن نعيد كتابة التاريخ بمزيد من الخيبات والتنازلات. لن يكون هذا اليوم ذكرى فقط إذا ما تحركت الأمة بجدية، وعملت على وقف الاعتداءات، ومنع تهجير الفلسطينيين، واستعادة المبادرة في القضية الفلسطينية. وإلا، فقد يضاف هذا اليوم إلى سلسلة الأيام التي شهدت على عجز الأمة عن حماية القدس وحقوق الشعب الفلسطيني.
إن التاريخ لا يرحم، و4 آذار يحمل في طياته فرصة جديدة لاختبار الإرادة العربية. فهل تتحول القمة إلى نقطة تحول حقيقية، أم تظل مجرد حلقة أخرى في سلسلة الفرص الضائعة؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها