لعل من أهم معالم السابع من أكتوبر الغموض الذي يكتنف أسباب ردة الفعل الإسرائيلية لهذه العملية التي توحي بمعرفة القيادة الإسرائيلية بالعملية مسبقًا قبل بدء العملية، ويبدو وفق ما أوحت إليه العملية أنها أعدت السيناريو لتلك العملية ولم تطلق طلقة واحدة أثناء العملية، حتى أن إسرائيل إضافة إلى الأجهزة الإلكترونية المتقدمة التي لا تسمح للطيور أن تمر من فوقها دون أن تكشفها، وبالرغم من النداءات التي وجهها المراقبين على الغلاف وهم يشاهدون من على شاشات المونيتور قوات النخبة من عناصر القسام تمر بطائراتهم الشراعية إلى مناطق الغلاف وإلى القيادة الإسرائيلية دون مجيب، وتمرير ذلك السيناريو تحت بصرهم وأعينهم.

لقد قامت إسرائيل بتضخيم حجم هذه العملية بشكل منقطع النظير باعتبارها أنها عملية تهديد وجود وأن إسرائيل تتعرض إلى حرب إبادة، وأن الذي حصل هو الهولوكوست الثانية التي يتعرض لها اليهود على أيدي حركة حماس، في حين أن العملية لم تزد عن كونها الدخول إلى مواقع متاخمة لغزة، واصطحاب بعض الرهائن لاستبدالها بالأسرى الفلسطينين، الذين عددهم بالآلاف منذ سنوات طويلة في الأسر. لقد عمدت إسرائيل على شيطنة الفلسطينيين من خلال الدعاية التي أطلقتها وما زالت حتى اللحظة، وصورت أن العملية التي تمت هي توازي في حجمها السيناريو الذي حدث في نيويورك في 11/9، من أجل استعطاف العالم الذي على ضوء هذه الواقعة وتضخيم حجم العملية إعلاميًا جعل زعماء العالم يهرعون للوصول إلى تل أبيب وعلى رأسهم الرئيس بايدن وآخرين مع العتاد العسكري المطور والحديث تحت خدمة الكيان الإسرائيلي ومنحت إسرائيل التصريح للانفلات والقتل والتدمير وبأن تفعل ما تريده في قطاع غزة دون حساب أو عقاب، أو حتى رادع أخلاقي.

إسرائيل تملك من الماكنة الإعلامية محليًا ودوليًا ما جعلها تسوق دعايتها المحمومة ضد غزة، وساهمت العديد من الفضائيات العربية إما بغباء منقطع النظير، أو أنها تساوقت مع إعلام العدو في إبراز قوة حماس أنها قوة لا يشق لها غبار، وللأسف ما زال مجتمعنا يصدق روايات وهمية، لدرجة أننا بتنا نسمع أن القوات الإسرائيلية لن تتقدم 1 سم في قطاع غزة حال بدأت إسرائيل هجومها البري، وأحضرت تلك الفضائيات جنرالات متقاعدين من الجيوش العربية لم يشارك بعضهم في أي معركة عسكرية، وبتنا نسمع حلو الكلام الذي دغدغ عواطفنا ولم نستفق إلا وغزة تساوت الأبنية مع رملها، ودمرت على رؤوس أهلها والجيش الإسرائيلي يحتل غزة وبدء في إنشاء قواعد عسكرية وطرق جديدة لخدمة الجيش الإسرائيلي.

من المهم أن نعرف أن  القيادة الإسرائيلية تحجب عن الجمهور الإسرائيلي معلومات قد تفضي معرفتها إلى إنفجار داخلي في الشأن الإسرائيلي، وقد يفسر هذا رفض نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل قيام لجان تحقيق، التي تفضي نتائجه إلى معلومات قد تشكل منحنى جديد في صعود تيارات سياسية جديدة واختفاء تيارات قائمة تتصدر المشهد السياسي في إسرائيل.

ما زلنا نلمس نتائج العملية، ولا زال المشهد الذي يخضع لتلك المؤثرات قائمًا ويشكل أحد التحديات الجديدة للإقليم في الشرق الأوسط. قطاع غزة اليوم يخضع للسيطرة الإسرائيلية والأمنية، تغيرات في الوضع الديموغرافي في قطاع غزة والضفة الغربية، تحولات قد تنجح وقد تخبو في التغير الديموغرافي من خلال التهجير، متغيرات في جنوب لبنان وسوريا، كل ذلك شكل قلقًا كبيرًا لدول المنطقة التي لم تهدء منذ اندلاع الحرب إلى الآن، وحتى تضع الحرب أوزارها، لأنه يشكل تهديدًا لأمنها القومي.

إسرائيل بقيادتها اليمينية، مررت عملية السابع من أكتوبر لتبرر كل الذي قامت به من تدمير في قطاع غزة، وإجراءات أمنية في الضفة الغربية والانقضاض على المخيمات، وإنهاء خدمات الأونروا والجنوب اللبناني والجنوب السوري، ويبدو بأنه لا يوجد حدود للهجوم الإسرائيلي. فسياسة التبرير لتنفيذ أهداف استراتيجية في تغيير معالم الشرق الأوسط هي التي صنعت هذا المبرر ومررت مخطط حركة حماس. 

كل الذي نسمعه من القيادات الإسرائيلية وينفذ على أرض الواقع هي جزء من مخططاتها، لتغيير معالم قديمة بواقع جديد. وهذا هو الذي يحدث الآن على أرض الواقع. لقد أنهت إسرائيل من خلال هذه العملية على أهم المحاور "بما يعرف المحور الإيراني أو ما سمي بمحور المقاومة" الذي كان باستمرار مصدر إزعاج لها على مدار السنوات السابقة. وكان يشكل تهديدًا نوعيًا في المنطقة لأمن وحدود الكيان الصهيوني. وبعد السابع من أكتوبر وجه الكيان الصهيوني ضربات قاسمة لهذا المحور في العمق الاستراتيجي لوجوده وكيانه، باستهدافه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو ونائبه هاشم صفي الدين، وكذلك الرئيس الإيراني، والعاروري، وإسماعيل هنية، وقادة آخرين، بالإضافة إلى عملية ما تسمى بتفجير البيجر. لقد شهدنا تغيرات واسعة في الساحة اللبنانية، وفي الساحة السورية، ويجري العمل على الساحة الفلسطينية لترويض هذا المسار وإنهاء مسار التهديد الذي شكله سابقًا الكيان الإسرائيلي.

إن أحداث السابع من أكتوبر بحجمها وشكلها لا تعطي الحق تحت أي ذريعة لإسرائيل القيام بما قامت به حتى بما يسمى حق الدفاع عن النفس، لأنه بكل بساطة لم يشكل ذاك الهجوم البدائي في عدته وعتاده أي تهديد حقيقي لأمن إسرائيل ووجودها. حتى الصواريخ التي أطلقت من غزة لم تقتل أو تدمر وتأثيرها ضعيف جدًا، ولكنها أدوات كانت تقلق الكيان الصهيوني.

فالذي حدث، هو أن إسرائيل أرادت وخططت مسبقًا  لتنفيذ هذه السياسات المرسومة لدى صناع القرار وفق الأجندة الإسرائيلية، وهي "سياسة التبرير" لعمل ما قامت به وتقوم به الآن . وهذه إحدى السياسات في "علم الأمن" للقيام بكل ما قامت به في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ولبنان وسوريا. لذا سيبقى ذلك الحدث جزء من الحقائق المخفية عن الجمهور الإسرائيلي والعالمي، ويمكن أن تكشف السنوات القادمة جزء من الأرشيف إذا سمحت بذلك أجهزة الرقابة الإسرائيلية، وبالتأكيد بعد مضي سنوات طويلة على هذه المخططات الإسرائيلية. هنا أود أن أنوه أن الساسة الإسرائيليين، خططوا لتغيير الشرق الأوسط والواقع الفلسطيني تحديدًا وإزالة التوترات الإقليمية التي كانت مصدر تهديد لإسرائيل، ولم يأبهوا بالإفراج عن الرهائن، ولم يرف جفن لهم لأعداد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ وحرب التجويع التي نفذتها إسرائيل في غزة. اهتمام القادة الإسرائيليين كان فقط في تنفيذ الأجندات الأخرى التي حصلوا فيها على مبررات عملياتهم في تغيير الشرق الأوسط.