وفق ما أعلنه موقع إسرائيلي اليوم الإعلامي، لم يكن الكشف عن المحادثات المباشرة بين إدارة ترامب وحركة حماس في الدوحة مفاجئًا بالنسبة لي، فقد أشرت سابقًا إلى أن الولايات المتحدة رغم مواقفها العلنية، لا تتردد في فتح قنوات تواصل مع قوى تعتبرها مؤثرة في المعادلة السياسية، حتى لو كانت هذه القوى مصنفة لديها كـ"إرهابية" وهو أمر مشابه إلى حدٍّ ما بما يعتبره الكونغرس الأميركي حول منظمة التحرير باعتبارها مصنفة تحت "بند الإرهاب". فكما تعاملت أيضًا إدارة أوباما مع الإخوان المسلمين خلال ما سُمّي بـ"الربيع العربي"، تدرك إدارة ترامب اليوم أن البراغماتية قد تفرض عليها الحوار مع حماس، ليس من باب الاعتراف بها، ولكن بهدف تحقيق مصالحها الاستراتيجية.
إدارة ترامب لم تكن يومًا إدارة تقليدية في سياستها الخارجية، بل انتهجت منهجًا قائمًا على عقد الصفقات بدلاً من التمسك بالمواقف الإيديولوجية الجامدة رغم البعد الايدولوجي في مضمون صفقاتها لتحقيق مصالحها وهو المتعلق بفاشية رأس المال. لهذا، فإن الحديث عن مفاوضات مباشرة بين واشنطن وحماس في قطر، خاصةً في سياق تبادل الأسرى وإمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، لا يبدو مستغربًا خاصة بوساطة قطرية.
ما يريده ترامب هو تحقيق مكاسب سريعة يمكن تسويقها داخليًا، سواء من خلال إطلاق سراح الأسرى الأميركيين أو من خلال تقديم نفسه كصانع صفقات ناجحة في الشرق الأوسط، تمامًا كما فعل مع اتفاقيات التطبيع العربي مع إسرائيل سابقًا. لكن هل هذا يعني تحولاً استراتيجيًا في الموقف الأميركي من حماس؟ أم أن الأمر مجرد خطوة تكتيكية تخدم أهدافًا محددة؟.
فالولايات المتحدة تدرك أن الضغط العسكري الإسرائيلي لم ينجح في إنهاء نفوذ حماس ولا فكرتها لا في قطاع غزة أو بالضفة الغربية، كما أنها تدرك أن الحركة لا تزال على علاقة وثيقة بمحور إيران، وهو ما يشكل تحديًا لرؤية واشنطن في المنطقة المتلخصة "بالشرق الأوسط الجديد". لذلك، في اعتقادي بأن تكون هذه المحادثات محاولة لإعادة تموضع حماس سياسيًا، أو على الأقل، لخلق توازن في علاقتها بين المحور الإيراني والدور الإقليمي الذي تلعبه قطر في دعمها.
لكن هذا لا يعني أن واشنطن ستتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا تجاه حماس، فالولايات المتحدة لا تزال ترى إسرائيل كأولوية مطلقة، وأي اتفاق سيتم فرضه لن يكون إلا ضمن الإطار الذي يخدم المصالح الإسرائيلية.
هذه التطورات قد تؤدي إلى زيادة التوتر بين حماس وقيادة منظمة التحرير أو السلطة الوطنية، خاصةً إذا كانت هذه المحادثات تتم بعيدًا عن أي إطار وطني فلسطيني موحد. كما أن هذا التحول يعكس مرة أخرى كيف أن القرار الفلسطيني لا يزال مرهونًا بالتجاذبات الإقليمية والدولية، حيث يتم التعامل مع الفصائل الفلسطينية كأدوات في لعبة المصالح الكبرى، بدلاً من كونها جزءًا من مشروع وطني موحد ومتكامل، وهو نتاج أخطاء كنا قد ارتكبناها نحن بحق أنفسنا.
من جهة أخرى، فإن هذه السياسة الأميركية تضع الأنظمة العربية الداعمة لحل الدولتين في مأزق، إذ كيف يمكن تفسير قيام واشنطن بفتح قناة تواصل مع حماس بينما تستمر الضغوط على السلطة الفلسطينية؟ هذا يُعيد إلى الأذهان طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الإخوان المسلمين خلال "الربيع العربي"، حينما راهنت على قوى الإسلام السياسي كأداة للتغيير بالمنطقة، ثم أعادت التموضع عندما تغيرت الظروف.
في النهاية، سواء كانت هذه المحادثات خطوة تكتيكية أو جزءًا من إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، فإن ما يجب إدراكه هو أن السياسة الأميركية لا تحكمها المبادئ، بل المصالح. اليوم، قد تجد واشنطن مصلحة في التفاوض مع حماس، كما وجدت سابقًا مصلحة في دعم الإخوان، وكما دعمت أنظمة استبدادية ثم تخلت عنها لاحقًا كما أشرت في مقالات سابقة لي. لكن السؤال الحقيقي الآن، هو هل ستتعامل القيادة الفلسطينية للمنظمة كممثل شرعي مع هذه التحولات بوعي استراتيجي وطني، أم ستبقى رهينة ردود الأفعال؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها