بقلم: عبد الباسط خلف

عاشت قرية صير، في الجنوب الشرقي لمدينة جنين يومًا عصيبًا، إذ استهله الاحتلال بقصف من مُسيرة، أعقبه استخدام لقنابل حارقة وإطلاق كثيف للنار، وسط حالة ترقب.

وانتهى النهار الطويل للقرية بإبلاغ الهيئة العامة للشؤون المدنية لوزارة الصحة باستشهاد 4 مواطنين جراء العدوان على القرية، تأكدت من أسماء ثلاثة منهم، وهم: منتصر جلال عزيز نعيم (35 عامًا)، وعبد السلام نبيه أبو الرب (23 عامًا) من قرية مسلية المجاورة، ووائل حسن لحلوح (31 عامًا) المقيم في قباطية، وإسماعيل محمد أبو الرب (25 عامًا) من صير.

وبالرغم من الإعلان رسميًا عن ارتقاء إسماعيل أبو الرب، إلا أن مجلس قروي صير على صفحته الرسمية على (فيسبوك) نعى عند التاسعة والنصف مساء أمس شابًا آخر هو عبدالله محمود إرشيد (22 عامًا)، وكذلك فعل الشبان عبر مكبرات الصوت بالقرية، وتوافد المعزون لبيت عائلته، بينما أكدت مصادر محلية أن إسماعيل أبو الرب حي يرزق.

وأفاد رئيس المجلس قروي صير، وائل إرشيد، بأن يوم صير الصعب بدأ قرابة السابعة والنصف صباحًا، حينما سمع الأهالي دوي قصف من مُسيرة في منطقة العماير الغربية، أعقبته أصوات اشتباكات وإطلاق قنابل حارقة وتحركات لآليات الاحتلال وطائرات استطلاع.

وأوضح أنه رغم انسحاب جيش الاحتلال من جبال القرية قرابة الثانية والنصف عصرًا، إلا أن أهالي صير والقرى والبلدات المجاورة عاشوا على أعصابهم حتى حلول الظلام، وتخللت ذلك إعلانات متكررة من هيئة الشؤون المدنية أفادت باستشهاد شابين، ثم ارتفع العدد إلى أربعة.

وحسب إرشيد، فإن المنطقة التي استهدفها الاحتلال متاخمة لقرية مسيلة، لكن دوي الاشتباكات سمع في أنحاء القرية، فيما أعلنت إدارة المدرسة عن إعادة الطلبة إلى بيوتهم بعد وقت قصير من وصولهم إليها. 

- 6 ساعات

وبانتصاف النهار، والكلام لرئيس المجلس القروي، بدأت الشائعات تتزايد في القرية، وبعد انسحاب جيش الاحتلال وصل الأهالي ووسائل الإعلام إلى المنطقة التي أعلنت "عسكرية مغلقة" لمدة 6 ساعات.

وقال بشار إرشيد، وهو شاهد عيان: إنه "وصل إلى الأمكنة المستهدفة ورأى في البداية سيارتين تعرضتا لإطلاق كثيف للنار وتهشم لزجاجهما، لكن لم تكن هناك آثار للدماء، وبصعوده إلى المناطق الجبلية شاهد بقع دماء، وأجزاء صغيرة من عظام تبدو لرأس أحد الشهداء أو الجرحى".

واستنادًا إلى الراوي، فقد دخل برفقة شبان إلى مغارة صغيرة محترقة، كانت فيها بقايا طعام وفراش وأغطية ومياه، لكن دون مشاهدة آثار دماء.

غير أن عمالاً في المكان أكدوا لإرشيد مشاهدة جنود الاحتلال وهم ينقلون 4 أكياس زرقاء، يعتقد أنها احتوت على مصابين أو شهداء، إلى جانب ورق قصدير تناثر في المنطقة.

- أحلام ومسعفون

بدوره، أوضح مجدي نعيم، أن شقيقه الشهيد منتصر كان يعمل في البناء، وقد التحق فصلاً واحدًا في جامعة القدس المفتوحة، ثم آثر العمل لإتمام أحلامه.

وقال: إن "منتصر كان خلوقًا ومحبوبًا ويتقن عمله بشكل كبير، وهو الابن الأصغر في عائلة ذات 4 أبناء، وكان يملك بيتًا لا ينقصه أي شيء، وسيارة حديثة".

بينما لخص أحمد أبو الرب سيرة عبد السلام، الأخ الرابع في عائلته، بأنه كان شابًا في مقتبل العمر، وتحرر من معتقلات الاحتلال في نيسان الماضي، بعد أن قضى ثلاثة أعوام خلف ستائر العتمة.

وأضاف: أن "عبد السلام كان يعمل في البناء والبلاط، وأكمل بعد الثانوية العامة مسار حياة مهنية، والتحق بدورة لتمديدات الكهرباء، وكان طموحًا ولديه لائحة أحلام كبيرة".

فيما بين مدير إسعاف الهلال الأحمر في جنين، محمود السعدي، أن الغموض اكتنف صير، وشاهد الأهالي آثار دماء وملابس وقبعات وحذاء، دون أن يلاحظوا وجود مصابين، وسط أحاديث الأهالي عن اختفاء آثار لشاب، وتضارب في المعلومات.

ويُذكر بأن جنود الاحتلال فتشوا مركبات الإسعاف، واستمر وجود "الهلال" لمدة 6 ساعات، دون أن تتعامل الطواقم مع جرحى، وسط شائعات كثيرة راجت في القرية.