بقلم: علي الفرا
لم يتمكن رجل الأعمال محمود الحلو من العثور على مكان يصلح للعيش والسكن فيه في بقايا منزله المدمر جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إذ لم يحالفه الحظ أيضًا في الحصول على منزل للإيجار نظرًا للارتفاع الجنوني في الأسعار.
يبحث الحلو، منذ انسحاب جيش الاحتلال من خان يونس قبل ستة أشهر عن منزل أو غرفة أو حتى "حاصل" يؤويه مع عائلته، ويقيهم برد الشتاء، إلا أن مصيره كمصير معظم أهالي قطاع غزة، ألا هو اللجوء قسرًا في الخيام بمواصي رفح وخان يونس.
انتقل إلى مدينة خان يونس قادمًا من مدينة غزة عام 2021، إذ أنشأ مخبزًا ينتج فيه الخبز والمعجنات والحلويات، وقد حقق نجاحًا كبيرًا وأصبح لديه عدة فروع، غير أن عدوان الاحتلال الشامل على قطاع غزة أدى إلى تدميرها جميعًا.
ويعود الارتفاع الجنوني في أسعار استئجار المنازل إلى قلتها بسبب تضرر معظم المنازل جزئياً أو كلياً إثر عدوان الاحتلال المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كما أن المنازل القليلة المعروضة تحتاج إلى صيانة، وهذا الأمر شبه مستحيل مع عدم توفر مواد البناء، إضافة إلى أن هذه المنازل تفتقد أبسط الخدمات خاصة الماء والكهرباء.
وجد الحلو، مؤخرًا ضالته، إذ عثر على منزل مكون من غرفتين وصالة ومطبخ وحمام، إلا أنه لا يوجد فيه أبواب أو نوافذ، جراء قصف الاحتلال له، إضافة إلى تضرر عدة جدران وسقوط أجزاء منها، إلا أن المفاجئ كان بالنسبة إليه هو سعر الإيجار الذي يقدر بنحو 2000 شيقل.
وبعد أن دمر الاحتلال بيته ومصدر رزقه، أُجبر على النزوح إلى الخيام في مواصي خان يونس، لأن المبالغ المطالب بدفعها للإيجار لن يقدر على دفعها.
وبدوره، أكد المواطن طه الفرا الذي فقد بيته في بلدة القرارة شمال خان يونس أنه كان يستعد للزواج قبل بدء العدوان بقليل، إلا أنه بعد سنة من عقد قرانه، استأجر بيتًا لإتمام مراسم الزواج.
وقال: "استأجرت منزلاً في منطقة السطر الغربي شمال مدينة خان يونس في وضع صعب حيث وقعت بعض جدرانه، ولا يوجد فيه شبكة مياه أو صرف صحي، مقابل إيجار شهري يبلغ 500 دولار، في وقت كان فيه الإيجار يتراوح ما بين 500 شيقل إلى 1000 شيقل فقط مع توفر الإمكانيات كافة".
وأضاف الفرا: كنت أعمل في صالة للياقة البدنية، وسافرت للعمل في الإمارات لأتمكن من توفير مصاريف الزواج، وعدت قبل العدوان بفترة قصيرة حتى أتزوج وأسافر مع زوجتي، إلا أن العدوان أجبرنا على البقاء في القطاع.
وتابع: أسعار الإيجارات الخيالية جعلتني أفكر جديًا في ترك المنزل بعد الشهر الأول، والعودة إلى الخيام وتحمل الويلات التي كنت اعيشها هناك.
ويتفق جهاد الآغا الذي عمل لسنوات طويلة سمسارًا للأراضي والشقق السكنية، بأن المبالغ التي يراها ويسمع عنها من أصحاب العقارات المعروضة للإيجار أصبحت جنونية، إضافة إلى أنها لا توفر للمستأجر أدنى مقومات الحياة.
وأوضح، أن العقارات المعروضة للإيجار تتراوح أسعارها بين 400 إلى 1600 دولار وفقًا للحالة التي تكون فيها ومدى تعرضها للدمار جراء القصف سواء المباشر أو المجاور، مبينًا أن معظم البيوت تعرضت للأضرار خاصة بشكل جزئي، كما أن أسعار المنازل قبل العدوان كانت لا تتعدى 1000 دولار.
وقال الآغا: ما يُعرض حاليًا للإيجار بيوت متضررة أو حواصل كانت عبارة عن محلات تجارية، إلا أنها أصبحت مأوى لبعض العائلات، والقليل من البيوت السليمة أو التي تمت صيانتها تجدها بأسعار مرتفعة جدًا.
من جانبه، أوضح معتصم أحمد الذي يعمل في جمعية خيرية تسعى إلى توفير مأوى أو إيجار للأسر التي فقدت منازلها أن الجمعية عندما بدأت عملها وجدت صعوبة شديدة في توفير منازل للإيجار بسبب عدم وجودها أولاً وارتفاع أسعار القليل المتوفر منها.
وقال: نظرًا لعدم توفر منازل للإيجار قررنا تعويض المتضررين بخيام أو شوادر لمن أراد تصميم خيمته بنفسه.
ويرى المواطن بلال يوسف الذي أجر بيته لنازح من مدينة غزة بقيمة 800 دولار أن ذلك المبلغ ليس كثيرًا كما يقال، لأن الغلاء الفاحش شمل كل مناحي الحياة، إضافة إلى أنه فقد عمله بسبب الحرب وأنه مجبر على تأجير منزله والعيش مع عائلته في خيمة.
وأجبرت حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 نحو مليوني مواطن في القطاع، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.
واستفحلت المجاعة في معظم مناطق قطاع غزة جراء العدوان المتواصل، لا سيما في الشمال إثر الإمعان في الإبادة والتجويع لإجبار المواطنين على النزوح جنوبًا.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على قطاع غزة، برًا وبحرًا وجوًا، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 44,502 مواطن، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 105,454 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها