بقلم: علي الفرا

سابق الطالب أمجد القدرة الزمن لكي يتمكن من إرسال امتحانه الذي يقدمه عبر الانترنت قبل انقضاء المدة المحددة له، فبطارية جواله المنخفضة لن تسعفه، وضعف الانترنت لا يساعده، وذلك بسبب غياب الشمس التي أصبحت تقريبًا مصدر الطاقة الوحيد لقطاع غزة.

فالقطاع الذي يتعرض منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لحرب إبادة تقضي على كل مقومات الحياة أدت لانقطاع الكهرباء عنه بشكل كامل مع توقف المحطة الوحيدة عن العمل، وتعطل كافة خطوط الكهرباء.

وأكد القدرة الذي يسكن في مدينة خان يونس جنوب القطاع، أنه يشعر بالإحباط عند غياب الشمس لأن ذلك يعني توقف جهاز الطاقة، المصدر الوحيد للكهرباء في القطاع، إضافة إلى بعض المولدات الكهربائية التي توقف معظمها عن العمل بسبب عدم توفر الوقود إلا بأسعار مرتفعة جدًا.

وأوضح القدرة الذي يدرس في كلية تكنولوجيا المعلومات أن انقطاع الطاقة يعني انقطاع الانترنت ما يؤدي لعدم تمكنه من إتمام دراسته وتسليم مهامه وامتحاناته.

وأعرب عن أمله في أن تتوقف الحرب وتعود الحياة لطبيعتها وأن يتمكن الطلاب من العودة إلى مدارسهم وجامعاتهم لأن التعلم عبر الانترنت يظلم الكثير منهم، لعدم توفره لدى الجميع وانقطاعه في أكثر الأوقات احتياجًا إليه.

ويتمنى المواطن مجدي اعتيم الذي يسكن وسط مدينة خان يونس أن تظل الشمس ساطعة كي لا يتوقف مشروعه الذي يعتمد عليها عن العمل، فقد استغل الطاقة الشمسية في إنشاء نقطة شحن للجوالات والبطاريات وتشغيل كافة الأجهزة الكهربائية بمقابل مادي، ويحملها معه أينما نزح.

ما أن تظهر الشمس حتى يبدأ اعتيم باستقبال الجوالات وكل الأجهزة التي تحتاج لشحن. يرصها على رفوف، كما وضع في ركن جانبي غسالة ملابس يغسل فيها المحيطون به ملابسهم بمقابل مادي.

وقال: إن "فكرة المشروع تبلورت عندما وجد أن الطاقة الشمسية أصبحت المصدر الوحيد للكهرباء لكل قطاع غزة، فقرر تحويل محله التجاري الذي أصبح خاليًا من البضائع لعدم توفرها، إلى نقطة شحن".

وأكد اعتيم أن فكرته لاقت إقبالاً شديدًا خاصة أنه لا يستغل حاجة الناس ولا يطلب مبالغ كبيرة، مبينًا أن أسعار الشحن عنده تتباين بين 1و7 شيقل وفقًا للجهاز والمدة التي يستغرقها.

ولم تعد هذه الفكرة مقتصرة على اعتيم، بل أصبحت مهنة كل من يمكنه استغلال الطاقة الشمسية، إلا أنها تتفاوت من شخص لآخر وفقًا لقوة وإمكانيات أجهزته، فالكثيرون منهم بمجرد غياب الشمس يغلقون نقط شحنهم وذلك لضعف إمكانياتهم.

بدورها، روت الطالبة في كلية الصيدلة بجامعة الأزهر فريال الفرا، موقفًا صعبًا تعرضت له حيث انقطع عنها الانترنت بسبب انقطاع الكهرباء لوجود منخفض جوي، منعها من شحن البطارية بشكل جيد وهي تحاول تسليم امتحانها الذي يعني عدم تسليمه رسوبها بعد ثلاث ساعات قضتها في الحل، ناهيك عن الأيام والليالي التي قضتها في الدراسة.

وتقول: "لأن الوقت تأخر ومنطقتنا تبعد عن مناطق الإخلاء، يصبح الوضع خطيرًا، وتكون الحركة شبه معدومة، إلا أنني لم أتردد في الخروج بصحبة والدي لأقرب مكان يتوفر فيه الانترنت لأرسل امتحاني".

ويرى المصور الصحافي أحمد عبد الله أن تعرض المنطقة لمنخفضات جوية أو غياب أشعة الشمس، يعني تعطله عن العمل، فهو بذلك لن يتمكن من شحن أجهزة عمله، كما سيتوقف الانترنت وسيلته الوحيدة في نقل الصورة والحقيقة للعالم الخارجي.

وقال عبد الله الذي يعمل مع عدة وكالات: إنه "يقطع مسافات طويلة للوصول إلى أماكن فيها شبكة انترنت قوية تمكنه من ممارسة عمله، رغم أن الكثير من مقاهي الانترنت تعرضت للقصف الإسرائيلي واستشهد بسبب ذلك الكثير من المواطنين".

واضاف: أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي وبواسطة أجهزة التتبع والتنصت وطائرات الاستطلاع، لا يرتاح لوجود تجمعات للمواطنين، لذلك قد يستهدف بدون سابق إنذار تجمعًا للمواطنين سواء في نقط شحن أو انترنت، وأحيانًا أمام تكية أو مخبز".

وأوضح عماد خليل والذي عمل في شركة الاتصالات الفلسطينية، أن هدم معظم أبراج الإرسال للشركة وتضرر الشبكة السلكية واللاسلكية، جعلها تعتمد على بعض الأجهزة الهوائية والتي تساعد على توصيل الانترنت، لكن تلك الأجهزة لا يمكنها أن تعيد البث بقوته كاملة.

ووفقًا لقرار وزارة التربية والتعليم، فإن طلاب القطاع سيدرسون عن بعد، عبر الانترنت، الأمر الذي احتج عليه الكثير من ذويهم خاصة من سكن منهم في الخيام.

ويرى كثير من أهالي الطلاب أن عدم توفر الكهرباء والانترنت، يقلص فرص أبنائهم في الدراسة.

وأصبح عدد سكان محافظة خان يونس في ظل النزوح إليها سواء من الشمال أو الجنوب، يزيد عن مليون مواطن، معظمهم في منطقة المواصي التي تشهد ازدحامًا شديدًا، ما يحرم ساكنيها من الحصول على خدمات الكهرباء والانترنت بشكل متواصل.

ويعاني المواطنون في كافة أنحاء القطاع من خطر الإخلاء والنزوح خاصة المناطق القريبة من الحدود أو التي تتواجد بها قوات الاحتلال، فما أن يشعروا بالاستقرار حتى تصدر "أوامر" بالنزوح إلى الأماكن التي تعتبر "إنسانية".

ولا يكاد يجد المواطن مكانًا آمنًا، فالاحتلال لم يتوانى عن ارتكاب مجازر بشعة حتى في المناطق التي حددها بأنها "إنسانية"، إلا أن حلم المواطنين لم يزل الاستقرار في أماكنهم، فالتنقل يستنزف طاقتهم الجسدية والمادية، كما يحلمون بأن تبقى الشمس ساطعة لتمدهم بالدفء والطاقة التي لا تسير حياتهم إلا بها.