بقلم: حسين نظير السنوار

تشققت أقدامهم الحافية واكستها الغبار والتراب واعتلتها الجروح والتقرحات. هذا حال الكثير من الغزيين بعد أن منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إدخال الأحذية للقطاع منذ بداية عدوانها الوحشي قبل خمسة عشر شهرًا متتالية.

لم يجد الكثير من المواطنين في قطاع غزة أحذية يلبسونها بعدما اهترأت أحذيتهم التي مضى على لبسها واستخدمها أكثر من عام ونصف في ظروف استثنائية مشوا فيها أكثر من عمرها الافتراضي، ولم تعد تلك الأحذية أحذية لشدة خرابها وحياكتها بدلاً من المرة عشرات المرات.

ويقول المواطن أمجد راضي: لقد قمت بحياكة حذائي وأحذية أبنائي وبناتي منذ بداية الحرب عشرات المرات حتى أصبحت ممزقة من كثرة وخز المخرز والمخيط فيها، ولم أعد أقدر على تلبية طلباتهم بشراء حذاء لكل واحد من أفراد العائلة الثمانية لارتفاع أسعارها غير المعقولة، ليتضاعف في بعض الأحذية مثل الشبشب لأكثر من عشرة أضعاف سعره الطبيعي.

ويضيف: كنا في السابق نشتري "شبشب" الأطفال بثمانية شواقل أصبح اليوم ولشح الأحذية في الأسواق أكثر من ثمانين شيقلاً، أما حذاء "البوت" فكنا نشتريه بسعر من 30- 50 شقيلاً أما الآن أصبح سعره 250 شيقلاً على الأقل و"شبشب" الجلد يُباع بسعر من 220- 250 شيقلاً وهذا شيء لا يصدق وهو صفعة جديدة ووجه آخر من أوجه حرب الإبادة المسعورة التي تشنها إسرائيل ضد شعبنا.

وذكر أن الكثير من المواطنين ولقلة توفر الأحذية عادت بهم الذاكرة لسنوات كثيرة وقاموا بصناعة "قبقاب" وهو حذاء خشبي، واستخدموه رغم ثقل وزنه وارتفاع صوت المشي به، ولكن يأتون على أنفسهم لقلة ذات اليد.

بينما يقول المواطن سالم أبو وردة: "أصبحنا نمشي في كثير من الأوقات المشاوير القصيرة وبين الخيام حفاة الأقدام حفاظًا على ما تبقى من أحذية لدينا، وخشية أن تتمزق ولا نستطيع توفير بديل لها في ظل الغلاء الفاحش الذي أصابها ولشحها في الأسواق"، مشيرًا إلى أنهم كانوا في السابق يذهبون لمحلات أو بسطات بيع الأحذية المستخدمة "البالة" ويشترون منها في الأوقات الصعبة التي كانت تمر عليهم ولكن اليوم ولكثرة الطلب وعدم إدخال الاحتلال أحذية مستخدمة كما في السابق أصبح من الصعب الحصول على حذاء مستخدم وإن وجد يكون بسعر مقارب لسعر الحذاء الجديد.

ويضيف: الأحوال صعبة جدًا ولا يمكن لعقل أن يتصور مدى المأساة التي نحياها فنحن بالكاد وبعد جهد كبير نستطيع توفير قوت يومنا ويوم أولادنا، متسائلاً إلى متى سنبقى على هذا الحال المقيت الذي أصبحنا نخشى فيه الجلوس مع عائلاتنا وأولادنا خشية سماع طلباتهم التي هي حق وواجب علينا تلبيتها خوفًا من الكذب عليهم وعدم المقدرة على ذلك.

أما الطفل أنور حسنين فيقول: إن "وضع والدي المادي صعب إلى حد ما، فنحن عشرة أفراد وهو لا يستطيع تلبية كل طلباتنا بشكل يومي الأمر الذي أجبرني على العمل لمدة تزيد عن العشرين يومًا على بسطة لبيع التوابل والبهارات لأتمكن من توفير سعر حذاء بدلاً من حذائي الممزق"، مضيفًا: أن سعر الحذاء 220 شيقلاً ووالدي لا يستطيع أن يشتريه لي.

ويشير، اشتريت قبل فترة ليست بالكبيرة نعلاً قديمًا مستخدمًا وأخذته إلى الإسكافي وقام بوضع وجهة أمامية له ولكن مع مرور الأيام وكثرة الوقوف في طابور تعبئة المياه تلف ولم يعد يصلح للخياطة والتصليح الأمر الذي أجبرني على العمل لأشتري واحدًا جديدًا بدلًا منه.

وأضاف حسنين: أن والده كان دائمًا يلبي لهم كل ما يحتاجونه ولا زال حتى اليوم يلبي لهم متطلبات الأكل والشراب، ولكن لصعوبة الأحوال وعدم استطاعته سحب راتبه لارتفاع عمولة السحب أجبرت على العمل لكي أستطيع شراء ما يلزمني لأخفف عنه ولأتيح الفرصة أمامه لتوفير متطلبات أمي وإخواني الآخرين.

بينما يقول تاجر الأحذية عبد الله شراب: إن "قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع دخول الأحذية للقطاع الأمر الذي أدى لقلتها بالأسواق وانعكس تلقائيًا على ارتفاع أسعارها لأضعاف سعرها الأصلي أو يزيد وكل ذلك يضاف على عاتق المواطن الذي لا يستطيع توفير متطلبات الحياة إلا بشق الأنفس ولا دخل لأصحاب محالات بيع الأحذية في ذلك لأنهم يشترون من المصدر بسعر مرتفع.

وأردف من باب التخفيف عن أبناء شعبنا في ظل الظروف الحالية الصعبة أصبحنا نبيع عبر "التطبيق البنكي" الدفع الالكتروني للموظفين الذين لا يستطيعون سحب رواتبهم وبنفس السعر ورغم ذلك الطلب قليل للارتفاع الكبير في أسعار الأحذية مقارنة بسعرها الأصلي.

وأضاف: إن ارتفاع الأسعار في أسواق الأحذية يعود لشحها ومنع الاحتلال ادخالها للقطاع، وفي حال سمح بذلك تكون بكميات قليلة جدًا وبأجرة نقل وتأمين مرتفعة للغاية، متمنيًا أن تدخل الأحذية من جديد للقطاع وتعود عجلة الاقتصاد بالدوران وتنتهي الحرب ويعود الناس لحياتهم التي اعتادوا عليها في السابق دون تشرد ونزوح.

أما الإسكافي (مصلح الأحذية) محمد عبد الرؤوف، فيقول: لم يبقى شيء في قطاع غزة إلا وارتفع سعره وبالتالي فإن أسعار "خيوط المصيص" التي تحاك بها الأحذية ارتفعت لعشرات أضعاف سعرها الأصلي حيث كنا قبل الحرب نشتري الكيلو جرام منها بـ 13 شيقلًا وأحيانًا بـ 15، وبقي سعره يرتفع حتى وصل  لـ 50 شيقلاً، وبعد ذلك ارتفع واستقر سعره بين 150– 200 شيقل، أما اليوم فنشتري الكيلو جرام بـ 600 – 650 شيقل، وهذا شيء لا يتصوره عقل إلا أننا مجبرون على شراء تلك الخيوط لنتمكن من العمل ونوفر لقمة عيشنا.

ويضيف: كنا في السابق نكتفي بتصليح الحذاء بسعر من واحد شيقل إلى سبع أو ثمان شواكل حسب حالته وما يحتاجه من تصليح، أما اليوم ولارتفاع أسعار الخيوط اختلف الأمر وأصبحنا نأخذ أقل شيء عشرة شواقل، الأمر الذي يزيد من معاناة المواطن ويضاف عبء جديد فوق الأعباء التي تتراكم فوق رأسه.

بينما الإسكافي أحمد أبو سلطان فيقول: إن ارتفاع أسعار المواد الخام من خيوط وغراء وجلود أجبر بعض المواطنين على العودة لمئات السنين إلى الوراء حيث صنعوا "القبقاب الخشبي" لأن سعر التكلفة أقل من تصليح حذاء قديم ويخدم فترة أطول في ظل استهلاك الأحذية الكبير بسبب استخدمها على مدار الساعة في تعبئة المياه التي تتلف الجلود بشكل سريع.

ولفت إلى أن "القبقاب الخشبي" ثقيل في القدم إلا أن الكثير من المواطنين لجأوا إليه لقلة تكلفته وسهولة إصلاحه لأنه مصنوع من لوح خشبي يفصل على شكل نعل حذاء ويوضع عليه من الأعلى قطعة قماش أو قطعة جلد، مشيرًا إلى أنه يخرج صوت عالٍ اثناء المشي لثقل وزنه واحتاك الخشب بالأرض إلا أن المواطن أصبح لا يبالي في ذلك في سبيل انتعال شيء في قدميه بدلاً من المشي حاليًا.

فيما تقول مسؤولة الاتصالات الرئيسية في اليونيسيف بغزة روزاليا بولين: إن "غزة هي واحدة من أكثر الأماكن المحزنة بالنسبة لنا كعاملين في المجال الإنساني، لأن كل جهد صغير لإنقاذ حياة طفل يضيع بسبب الدمار العنيف، وظل الأطفال على حافة كابوس حيث أبلغ عن قتل أكثر من 14500 طفل، وإصابة الآلاف غيرهم".

وحذرت في تصريح لها، من صعوبة الوضع مع حلول فصل الشتاء على غزة، حيث الأطفال يشعرون بالبرد والرطوبة وهم حفاة الأقدام، فيما لا يزال الكثير منهم يرتدون ملابس الصيف، مضيفة أن الأطفال يبحثون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية ليحرقوها، وإن الأمراض منتشرة في القطاع في ظل انعدام الخدمات الصحية وتعرض المستشفيات للهجوم بشكل مستمر.

أما مسؤولة الطوارئ في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لويز ووتريدج، فتقول: إن أكثر من مليوني شخص ما زالوا محاصرين في ظروف مروعة في غزة ومحرومين من احتياجاتهم الأساسية، مشيرةً إلى أن السكان لا يمكنهم الفرار ويبدو الأمر وكأن كل طريق يمكن أن يسلكوه يؤدي إلى الموت.

وأضافت في تصريح لها: إن "الأحوال الجوية ساءت في الأيام الماضية وسيستمر هذا النمط كما كان متوقعًا"، إلا أن الأونروا اضطرت إلى إعطاء الأولوية للغذاء على مساعدات المأوى، ذاكرةً لدينا إمدادات خارج قطاع غزة ننتظر دخولها للقطاع منذ ستة أشهر، هذا هو الواقع الذي يعيشه العاملون في المجال الإنساني هنا، يتعين علينا الاختيار بين حصول الناس على الطعام أو حصولهم على المأوى.

وتبين المعطيات أن إجمالي ما دخل إلى قطاع غزة من شاحنات في الفترة الماضية لم يتجاوز 6% من الاحتياجات اليومية للمواطنين، وأغلب ذلك يتعلق بمواد غذائية، ولم يتعد ما يخص الملابس والأحذية 0.001%، ما تسبب بأزمة حقيقية، خاصة أن إسرائيل دمرت ما لا يقل عن 70% من منازل القطاع وغالبية المحال التجارية والأسواق، بما فيها محالات بيع الملابس والاحذية، فضلا عن تقييد تنسيقات إدخال البضائع للتجار.

يُشار إلى أن المواطنين في قطاع غزة يعيشون ظروفًا استثنائية غاية في الصعوبة فهم يواجهون الحرب العسكرية والحرب الاقتصادية وحرب الجوع وقلة الزاد وانعدام المأوى، إضافة لمواجهتهم حرب النزوح وقلة وجود الملابس والأحذية والحرب النفسية وحرب الأعصاب وغيرها الكثير التي لا تتحملها الجبال.