لم يقع بين يدي أي نص يشير أن المستوى الرسمي العربي قد أجرى تقييمًا جديًا للأسباب التي أدت إلى هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948 وحصول النكبة وضياع فلسطين. الأمر ذاته بالنسبة لنكسة عام 1967، ومختلف الأزمات التي مرت بها الأمة العربية منذ أن ظهرت الدول القطرية العربية ونالت استقلالها، على التوالي منذ النصف الأول من القرن العشرين، مما يؤكد أن النظام العربي الرسمي قد اعتاد أن يلجأ لخطاب سياسي وإعلامي مضلل بعد كل هزيمة وأزمة، وأن هذا النظام لم يقم ولو لمرة واحدة بعملية تقييم ومراجعة، بهدف وضع إستراتيجية تنهض بالأمة.

اليوم ومع قدوم إدارة الرئيس جو بايدن، فإن لدى الأمة العربية فرصة لالتقاط الأنفاس وإجراء مراجعة شاملة لما آل إليه الواقع العربي، بعد ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي، وبعد أربع سنوات من إدارة ترامب، التي كان هدف تصفية القضية الفلسطينية هدفًا مركزيًا لها، وأنها يمكن أن تحل قضايا المنطقة المستعصية عبر الصفقات. وقد تكون هذه الفرصة هي الأخيرة، لأن العرب لم يكونوا في وضع أسوأ مما هم عليه في هذة المرحلة، بل أن مفهوم العرب باعتبارهم أمة بات في وضع ملتبس وخطير، وأن فرص انقاذه تكاد تكون صعبة جدًا، وأن جزءًا مهما من الأمة في أسفل مستويات الفقر والبطالة في العالم، بالإضافة إلى ما هناك من مآس إنسانية، وتشرد لملايين العرب من فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول.

بالتأكيد أن الأمل يكاد يكون ضئيلًا في أن تقوم الدول العربية باجراء هذا التقييم وهذه المراجعة، أو أن تبادر الجامعة العربية لمثل هكذا عملية، فالانقسام والتشرذم على اشده، والازمات عميقة لدرجة أن أية مراجعة شكلية لن تكون مجدية. وبالرغم من ضآلة هذا الاحتمال فإن على العرب أن يدركوا أنهم في لحظة مصيرية أما أن تكون هناك أمة لها مستقبل أو لا تكون. فالحلول الفردية للدول لن تكون بديلًا للحلول الجماعية.

في سياق هذه المراجعة هناك العديد من الأسئلة المطلوب من العرب الإجابة عليها، أول هذه الأسئلة هو الموقف من القضية الفلسطينية، وهو موقف ليس لفظيًا، إنما يجب أن يأتي عبر تقييم موضوعي شامل لواقع القضية الفلسطينية، على ضوء التطورات المتعلقة باتفاقيات التطبيع. وهل سيقبل العرب بوضع تستمر فيه إسرائيل باحتلال أرض الدولة الفلسطينية، واحتلال القدس الشرقية ومقدساتها وأن يواصلوا التطبيع، وهناك أسئلة عن الأزمات السورية والعراقية واللبنانية والليبية واليمنية، وسؤال العلاقة مع الدول الاقليمية، بالاضافة الى الاسئلة المتعلقة بالديموقراطية والتنمية.

لقد أثبت العقدان الأخيران على الاقل، أن صراعات الدول العربية لم تجلب لأحد الخير ولا الضمانة بالحماية، والاستقرار كما أثبتت أن غياب الديموقراطية والمشاركة الشعبية في القرار يخلق دكتاتوريات لم تجلب لدولها سوى الخراب والأزمات، وواقع هش يمكن اختراقه. كما تحتاج الأمة إلى إعادة تعريف هويتها بطريقة عصرية.

الشعب الفلسطيني ذاهب إلى انتخابات ديموقراطية في ظروف ذاتية وموضوعية غاية في التعقيد والصعوبة، ولكن هناك اعتقاد وطني فلسطيني وهو اعتقاد صائب، بأن حل المشاكل الصعبة والمتراكمة يبدأ بالعودة للشعب ليقرر ما يريد، وأن أخطأ الاختيار مرة فإنه ومع الاستمرار بالتجربة الديموقراطية وتعميقها بالوعي سيجد طريقه في الاختيار الأنسب لمصالحه، هذا القول ينطبق تماما على باقي الدول العربية، ولكن يجب أن يتم ذلك عبر استراتيجية تقود الأمة نحو المستقبل.

لقد أثبتت التطورات، أن الأمة العربية كلها في أزمة، مهما اعتقد البعض أنه قد نجح في النجاة من الأزمة، لذلك نحن بحاجة ماسة لمراجعة تجربة العقدين الأخيرين، وتحديدًا اربع سنوات ترامب وما ترتب عليها. والاعتقاد بأن هناك فرصة مع ادارة بايدن لان واشنطن عادت للسياسة الأميركية التقليدية، ولان اولوياتها، وحتى إشعار آخر هي للأمور والأزمات الداخلية، والتي كشفت الأسابيع الأخيرة لترامب كم هي عميقة.