لم يكن أهل فلسطين إلا طالبي سلام، وهم الذين هجروا بفعل الاحتلال من أراضيهم إبان نكبة 48 ونكسة 67 فهجروا في الداخل وشتتوا إلى الخارج، سلسلة طويلة من المآسي وعلى مدى عقود من الزمن، قدموا من التضحيات كل ما يمكن أن يقدمه شعب من أجل نيل حريته.

في الحقيقة المطلقة بعد 72 عامًا من المد والجزر الذي شهدته القضية الفلسطينية لنعترف أن أهل فلسطين هم الذين دفعوا الثمن الباهظ من جراء الاحتلال الإسرائيلي لبلادهم، وإذ احتلت فلسطين منابر العالم وعقدت من أجلها المؤتمرات وأبرمت المعاهدات وتُليت ملايين الخطابات التي كادت أن تحرر فلسطين بعددها!! وقد باتت فلسطين اليوم في ربعها الأخير.

ومع ذلك لا يخجل البعض أن يحدثك عن مسؤولية الفلسطينيين في عدم دحر المحتل حتى اللحظة، وكأن الفلسطينيين يمتلكون أحدث الصواريخ وتحط على مطاراتهم أحدث المقاتلات الحربية.. غريب بعد هذا التاريخ المعمد بالدماء أن يتنكر كثيرون لنضال هذا الشعب، وعند الحشرة يخرجون عليك بقصص واهية عن بيع الأراضي لليهود والتي دحضتها آلاف الدراسات ولا يراد منها إلا التعمية على التاريخ الفلسطيني.. يحدثونك عن نكران الفلسطينيين للجميل.. هم نفسهم هؤلاء.. لا تفاجأ إن سمعتهم يتكلمون بفلسطين وحقوق شعبها من محافل وأبواق متعددة..

لقد عومت فلسطين على الكثير من الوعود والشعارات المتنقلة والملتبسة فعلى أهلها أن يدركوا اليوم أكثر من أي يوم أن قضيتهم هي قضيتهم ولم تكن "فعليًا" قضية أحد غيرهم باستثناء من آمن حقا بها، قضية عادلة ومشروعة، ليس إلا.

وبعد التطبيع .. أتظنونه لم يكن قبل ذلك؟ فبعضه كان سريًا وبعضه متريثًا، وبعضه وإن كان مكشوفًا، فإنه بات اليوم علنيًا ورسميًا .. وإن غدًا لناظره قريب من هي الدول التي ستنضم إلى هذه الاتفاقيات، وقد بشر ترامب بذلك في حفل التوقيع بالبيت الأبيض على التطبيع بين إسرائيل من جهة والإمارات العربية والبحرين من جهة أخرى.. فعلى شعب فلسطين أيضا ألا يفاجأ.

من حق كل فلسطيني أن يشعر اليوم بالغبن إن كان في الداخل المحتل أم في الشتات وبالأخص أهالي المخيمات الذين يعيشون ويموتون على حلم عودتهم .. هؤلاء ربما تكمن الحقيقة عندهم أكثر، استذكر منهم من قال لي يوما: الكل يتكلم بفلسطين وحقوق أهلها، لكن أين تلك الحقوق، ألسنا جزءًا من فلسطين؟

وأضاف: أتحدى أن يكون أحد من هؤلاء قد بنى مشفى أو مدرسة لنا أو زارنا في مخيمات البؤس والحرمان التي عشنا فيها من زمن اللجوء، وكأننا أوراق بريد في هذا العالم ليس أكثر، مختتما: "ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج .. إلى فلسطين".

فلسطين أمام تحدٍ آخر، في زمن آخر، تستدعي التفاف أهلها ووحدتهم بوجه كل المؤامرات والصفقات الآنية والمقبلة، وما اجتماع الأمناء العامين للفصائل إلا الخطوة الصائبة التي بدأت تترجم على الأرض تدريجيا، ويجب تعزيزها أكثر وأكثر فإن فيها القوة والخلاص لفلسطين وأهلها الذين لا يريدون من فلسطين إلا فلسطين.