مقاومة الاحتلال حق شرعي كفلته الشرائع والأعراف الدولية، وهنالك خيارات عديدة للمقاومة، وبات معلومًا أن المقاومة المسلحة ليست الخيار الوحيد لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. حيث يرجع اتباع أسلوب للمقاومة عن آخر، حسابات موازين القوى الواقعية، وأهداف وتطلعات الشعوب المرحلية والاستراتيجية.

وفي الظروف الفلسطينية الراهنة، يعتبر الذهاب إلى حلبة المواجهة العسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي بمثابة انتحار سياسي، فهذا المربع هو ملعب الاحتلال المفضل، حيث يُظهر فيه أبشع صور التدمير والهلاك.

والخيار العسكري يعتبر الخيار المفضل لدى حكومة الاحتلال، ففيه يتم فرض وتنفيذ مخططاته الاحتلالية العنصرية التوسعية، بحجة مواجهة العناصر المسلحة الفلسطينية. وقطاع غزة أكبر شاهد ودليل على ذلك. فالحرب هناك من المفترض أن تضع أوزارها منذ عدة أشهر؛ لكن حكومة الاحتلال لديها هدف غير معلن من الحرب في غزة، وهو تفريغ القطاع من سكانه، عبر جعله غير قابل للحياة، ما سيشجع سكانه على الهجرة الطوعية بعد انتهاء الحرب.

نفس الأمر ينطبق على الضفة الغربية، التي تعتبر ساحة الحرب الحقيقية لدى إسرائيل، وفيها تسعى لتنفيذ مخططاتها، من ضم الضفة، وإنهاء السلطة الوطنية، التي تعتبر نواة الدولة المستقلة. فإسرائيل تعي تمامًا أنه لا يمكن تنفيذ أهدافها، في ظل وجود سلطوي فلسطيني رسمي، ومعترف به في الضفة الغربية. وبالتالي تشجع بصورة مباشرة وغير مباشرة، على تعميم الفوضى وتصعيد الفلتان الأمني، تحت مسميات المقاومة المسلحة؛ حتى يكون لها مسوغ واضح لإطلاق عملية عسكرية شاملة في الضفة الغربية لمحاربة المسلحين، ستكون نتيجتها تدمير الضفة الغربية على غرار غزة، وإنهاء السلطة الوطنية، وتهجير الفلسطينيين من هناك، ومن ثم ضم الضفة الغربية، وتطبيق قانون "يهودية الدولة" على أرض الواقع.

وبكل أسف، فإن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، تنجرفان ربما بوعي أو بدون وعي مع هذا المخطط، وتشجعان على المواجهة العسكرية مع إسرائيل في الضفة، رغم الأهوال والفظائع التي لحقت بغزة نتيجة هذا النهج الخاطئ. فالأجدر بهما، قبل الدعوة لتصعيد المواجهة عسكريًا مع إسرائيل في الضفة، الكف عن المكابرة والعناد، وتسليم مفاتيح إدارة مفاوضات إنهاء الحرب لمنظمة التحرير الفلسطينية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة، التي تتعرض لحرب إبادة إسرائيلية ممنهجة، يساهم إصرار حماس على عدم تخليها عن السلطة في غزة، في استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية هناك.

ولتوضيح الأمر أكثر، دعونا نقارن بصورة مبسطة بين الترسانة العسكرية الإسرائيلية النووية والمدعومة أميركيًا، أمام عشرات البنادق التي يحملها الشبان المغرر بهم في الضفة الغربية. فالأمر واضح إنها مجرد ألعاب أطفال في مواجهة الترسانة الإسرائيلية، ولن تساهم بأي شكل من الأشكال في تحرير الأرض، أو منع الاستيطان، أو حتى تحقيق أي إنجاز سياسي وعسكري حقيقي في مواجهة الاحتلال.

علينا أن نصدم أنفسنا وشعوبنا بهذه الحقيقة، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق أي إنجاز في المواجهة العسكرية مع إسرائيل، بل العكس تمامًا سيحدث، من تدمير وتهجير، وتصفية لقضيتنا الوطنية.

وبناءً عليه، وجب علينا منع حدوث ذلك بأي شكل من الأشكال. والخيارات البديلة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي موجودة. وفي الظروف الحالية، يعتبر تعزيز صمود وتواجد الفلسطيني على أرضه، وتوفير حياة كريمة له، بما يحقق استقرار سياسي ونمو اقتصادي على طريق الدولة المستقلة، مهما كان بطيئًا، هو أعظم مقاومة وإنجاز. وهي برأينا الاستراتيجية الوطنية التي يجب بلورتها والإجماع عليها.

وبهذه الطريقة يفقد التفوق العسكري الإسرائيلي أهميته ودوره؛ كونه لا يستطيع استخدام الأدوات العسكرية أمام الوسائل السلمية والدبلوماسية. وفي سبيل ذلك، وجب على جميع الفصائل والتيارات الفلسطينية خارج منظمة التحرير، الانضمام إليها دون قيد أو شرط، وإنقاذ قضيتنا الوطنية، قبل فوات الأوان.