من البديهي التأكيد أن عقد الدورة الـ32 للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومحاكاة شعارها الأساس لعناوين اللحظة السياسية "دورة لا للتهجير ولا للضم.. الثبات في الموطن، إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب، حماية القدس والضفة الغربية، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة". يعتبر بحد ذاته أحد الإيجابيات، حيث تأخر عقد هذه الدورة عام ونصف العام من الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وبعد ما يزيد عن ثلاثة أعوام عن الدورة السابقة 31، وهذا يخالف اللائحة الداخلية للمجلس المركزي، التي تنص بشكل واضح، على عقد دورة للمجلس المركزي كل ثلاثة أشهر، وشهدت القضية الفلسطينية والشعب والمشروع الوطني تحولات دراماتيكية، لم يسبق أن واجهت مثل هذا التحدي الإسرائيلي الأميركي ومن يدور في فلكهم، الذي ما زال جاثمًا على رأس الشعب الفلسطيني، والذي نقل الصراع إلى مربع صراع الوجود، من خلال مواصلة الإبادة الجماعية على قطاع غزة خصوصًا، وعموم الوطن الفلسطيني، في بلطجة وتغول ووحشية ندر أن عاشتها بعض شعوب الأرض، وليس لمربع الصراع الديني فقط.
وهذا التحول ليس تكتيكيًا، ولا هو مجرد شعارات للاستهلاك والابتزاز، وإنما هو تحول استراتيجي، أخرج من القمم الصهيوني أخطر أشكال النازية الإسرائيلية في العالم، وأعاد للأذهان شعار الحركة الصهيونية الناظم لمسيرتها النازية "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، والأخطر من ذلك تمثل في قيادة وشراكة ودعم الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الغرب الامبريالي، كون إسرائيل اللقيطة تمثل القاعدة الأمامية لهم في الوطن العربي، وهم من أسسها وأشاد حصونها، وأغرقها بالسلاح من كل صنوف أسلحة الموت والإبادة الأكثر حداثة، ومع ذلك لم يفتح المجلس القوس في بيانه الختامي أمام توسيع أشكال النضال والمواجهة مع دولة الإبادة في شروط لاحقة مناسبة لتطوير أشكال الكفاح الوطني التحرري، واعتبر هذه النقطة من السلبيات.
ومن الإيجابيات البارزة، كان استكمال كوتا المرأة الفلسطينية، حيث أضيف لعضوية المجلس المركزي عدد من النساء لاستيفاء نسبة الـ 30% من قوام المجلس، وحسب ما ذكر رئيس المجلس الوطني في أحد مداخلاته، أن المجلس التشريعي السابق، والآن المجلس المركزي للمنظمة باعتماده الكوتا، وتجسيدها في الواقع، يعتبر إضافة هامة ونوعية في مسيرة تعزيز مكانة المرأة، التي لها باع طويل في النضال الوطني، وشريكة أساسية في معارك الدفاع عن القضية والشعب، وفي الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني منذ عام ونصف العام، إضافة إلى أنها دفعت مع الأطفال ثمنًا باهظًا من مجمل الشهداء والجرحى، وتحملت، وما زالت تتحمل أثقال هائلة من المسؤوليات في مواجهة النازية الإسرائيلية، ولا يقتصر عطاءها في حدود قطاع غزة، وإنما في الوطن والشتات وفي مناطق الـ48.
وأيضًا النقاش الغني والواسع من قبل أعضاء المجلس المركزي لمختلف القضايا المثارة، والاسهام بتقديم العديد من مشاريع الاقتراحات التي أغنت البيان الختامي للدورة، عكس حرص الأعضاء من الجنسين على نجاح الدورة، وتمثلها في العديد من المفاصل، مثل: مصالح الشعب والقضية والنظام السياسي ومنظمة التحرير والمشروع الوطني. والعرفان لدور هيئة مكتب المكتب عمومًا، ورئيس المجلس الوطني خصوصًا، رغم الهنات التي حدثت.
وكان عنوان وهدف الوحدة الوطنية هاجس لدى الأعضاء كافة، وجميعهم أكدوا عليه، وأعطوه الأولوية في مداخلاتهم، كما أن سيادة الرئيس أبو مازن، أكد في كلمته الأخيرة على تكليف أعضاء اللجنتين: اللجنة التنفيذية للمنظمة، والمركزية لحركة "فتح" بإيلاء هذا الملف الأولوية في أعقاب انتهاء دورة المجلس المركزية، ودعاهم لفتح حوار مع القوى كافة، بغض النظر عن حجم التباين والاختلاف بين القوى السياسية في الساحة الفلسطينية، ولا يفوتني التأكيد على أن التقرير الذي قدمه الرئيس محمود عباس عن أعمال وانجازات اللجنة التنفيذية خلال المرحلة السابقة، كان إيجابي ووضع الأرضية للحوار، رغم وجود بعض النواقص.
ومما لا شك فيه، أن مقاطعة الرفاق في الجبهة الديمقراطية أعمال الدورة في الجلسة المسائية يوم الأربعاء الماضي 23 نيسان/إبريل نتيجة سوء فهم، واحتدام جو النقاش بينهم وبين رئيس المجلس الوطني، انعكس سلبًا على أجواء الدورة، لأن الجميع كان يتمنى عدم مغادرة أعضاء الديمقراطية جلسات الحوار. كما أن مقاطعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية، ترك بصمات سلبية على مناخ دورة المجلس، رغم أنها ليست المرة الأولى، التي يقاطع فيها الرفاق في الشعبية والمبادرة أعمال دورات المجلس الوطني أو المركزي. لكن في هذه اللحظة الهامة والتاريخية من مصير ومستقبل الشعب العربي الفلسطيني، كان يفترض مشاركة الجميع، ليعلنوا على الملأ مواقفهم أمام أعضاء المجلس المركزي وليوصلوا رسالتهم، وفي ذات الوقت، يؤكدون على الوحدة الوطنية.
وأنا شخصيًا، رغم موقفي الثابت من حركة حماس الانقلابية والإخوانية، ومعرفتي بخلفياتها المتناقضة مع المصالح الوطنية، كنت أتمنى أن تشارك مع حركة الجهاد الإسلامي. ولكن قضية المقاطعة في الدورات المختلفة للمجلس المركزي أو الوطني ليست جديدة، فتاريخ التناقضات والاختلافات بين المركزي وفصائل المنظمة وقوى الإسلام السياسي ليست جديدة، وتحكمها الحسابات والاعتبارات الخاصة، وليس الاعتبار السياسي، وهذا ينطبق على حركتي حماس والجهاد الإسلامي بتفاوت.
ورغم ترحيبي بالإضافات من الجنسين لعضوية المجلس المركزي، بدل الشواغر، ولاستكمال كوتا المرأة، إلا أني أحذر من الآن من التعويم. لأن زيادة العضوية لا تخدم مكانة ودور المجلس المركزي، وإذا كان ولا بد من التجديد فليتم ذلك بدعوة المجلس الوطني للانعقاد في دورة عادية، ويتم إعادة تشكيله وفق ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وبما لا يزيد عدده عن الـ350 عضوًا. وللحديث بقية في هذا الشأن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها