من هم في المحرقة في قطاع غزة ويتعرضون لحرب إبادة، هم وحدهم أصحاب الكلمة الأخيرة بما صرح به الرئيس محمود عباس في افتتاح المجلس المركزي، بخصوص حماس وضرورة سحب الذرائع من نتنياهو عبر تسليم المحتجزين الإسرائيليين، وما قاله حول انقلاب حماس العسكري عام 2007، وما تركه من أثر مدمر على القضية الفلسطينية، والذي وصفه الرئيس، بأنه نكبة جديدة. كما انتقد الرئيس أسلوب تخاطب حماس مع المواطنين في غزة، والتي تستخدم مصطلح "نحن وهم" عندما تتحدث عن نفسها وعن الغزيين، وهو مصطلح خطير يؤكد أن حماس لا تنظر للشعب الفلسطيني على أنه شعبها وأنها منه.
قبل أن يقول الرئيس كل هذا الكلام تطرق إلى الأرقام التي تشير إلى مدى الخسائر البشرية والمادية، وقال ناقدًا من يقول: أن خسارة 220 ألف إنسان فلسطيني بين شهيد وجريح هي خسارة تكتيكية، وأضاف: هذه خسارة استراتيجية، مشيرًا إلى أن استمرار حرب الإبادة قد يقود إلى نكبة كبرى، وتهجير الشعب الفلسطيني، مؤكدًا رفضه لأي تهجير سواء كان قسريًا أو طوعيًا، مشيرًا إلى أنه ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه تهجير طوعي، وأن اللعب في الكلام غير مقبول، وأنه إذا توفر للفلسطيني وسائل الحياة الأساسية من غذاء وماء ودواء فلن يغادر أحد.
بعد هذه المقدمة أراد الرئيس أن يوصل رسالة ويقول لحماس أن مناوراتكم في موضوع المحتجزين سوف تقود إلى نكبة، وإلى تصفية القضية الفلسطينية. استخدام الرئيس لأقسى الكلمات هو تعبير على أن الكيل قد طفح وأنه من غير الممكن السكوت عن تصرفات حماس التي تقدم الذرائع لإسرائيل تلو الذرائع لتواصل حرب الإبادة وتنفذ مخططاتها الاستراتيجية لتصفية القضية الفلسطينية. وبالرغم من الإنذار الذي وجهه الرئيس، فإن حماس وماكنتها الإعلامية المدعومة من ماكينة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ومن الجزيرة وملحقاتها، ومن جيش من المأجورين الفلسطينيين عملت على اجتزاء أقوال الرئيس وتصوير الموقف وكأنه مناكفة حزبية، بالرغم أن خطاب الرئيس من أول كلمة وحتى آخر كلمة كان تعبيرًا عن حرص وطني، وتحذيرًا من مخاطر الوضع الراهن، وقدم الحلول الوطنية للخروج من المأزق الراهن وبرنامج كامل للوصول إلى وحدة وطنية حقيقية بعيدًا عن المحاصصة، والهروب من تحمل المسؤوليات، والقاعدة السحرية في بناء الدول، قانون واحد، وسلاح واحد ونظام سياسي واحد.
نعود للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فهم أصحاب الحق في تقييم خطاب الرئيس لأنهم هم من يكتوون من نار الحرب. نار الفقد، وهم المهدد مستقبلهم ووجودهم في وطنهم وفي المكان الذي عاشوا فيه وراكموا ذكرياتهم وعلاقتهم الاجتماعية والاقتصادية فيه. وبالفعل ومن الغزيين الذين لدي تواصل معهم في القطاع، فإنهم جميعًا كانوا يرجون أن تستمع حماس لمناشدة الرئيس لهم لسحب الذرائع من إسرائيل، ولديهم إدراك ووعي عميق بمدى ما تركه انقلاب حماس عام 2007 من دمار عليهم مباشرة وعلى القضية الفلسطينية.
في قطاع غزة، فلسطينيون يتمتعون بوعي ملفت، يقارنون، يقيمون، يتساءلون، يدركون ما هي مصلحتهم الحقيقية، في غزة يجرون يوميًا مقارنات كيف كانت أحوالهم قبل انقلاب حماس وبعده، حالهم مع ست حروب استجلبتها حماس عليهم دون أي إنجاز وطني، كيف كانت أحوالهم قبل 7 أكتوبر 2023 وبعده، ويدركون المخاطر التي تنتظرهم وتهدد مستقبل وجودهم على أرضهم. قطاع غزة له تاريخ وطني استثنائي، فهو المنطقة الجغرافية الصغيرة، التي بقيت من فلسطين بعد النكبة، وحافظت على الهوية الوطنية الفلسطينية بعد أن تم طمس الهوية في باقي المناطق، وبحكم الموروث فإن فلسطينيي القطاع لا يمكن إلا أن ينحازوا إلى الوطنية الفلسطينية، لذلك هم الحكم.
كل من له أجندة خارجية قد يخدع الناس لفترة زمنية قد تطول أو تقصر، لكن في النهاية سيكتشف الفلسطيني أن مصالحه الوطنية تتناقض مع أصحاب هذه الأجندات، وأن من يرهن نفسه لأي أجندة خارحية، ويقبل أن يتحكم فيه ممولوه، إنما يهون عليه شعبه وقضيته، ويهون عليه دم الأطفال وحرمانهم من الصحة والتعليم ربما لسنوات طويلة قادمة. وبغض النظر عن ردة فعل حماس على مناشدة الرئيس، فإن المسؤولية الوطنية تفرض إنهاء المجزرة الكبرى.
ما يفجع الغزيين أن حماس تستغل دمهم ومأساتهم من أجل الجلوس على طاولة مع مسؤول أميركي، والحصول منه على ضمانات لدور ما لها في المستقبل، بمعنى أن يموت كل صباح عشرات الأطفال والنساء، أن يهجر عشرات الآلاف من مكان لآخر كي يجلس مسؤول من حماس مع مسؤول أميركي، وهو أمر قد يحصل أو لا يحصل، وإن حصل فإنه لن يقدم لحماس ما تريد من تعهدات. هل يجب أن يهجر الغزيون أو جزء كبير منهم من أجل الأهداف التكتيكية لحماس؟.
في قطاع غزة رفع الغزيون صوتهم وهتفوا "حماس برا برا ".. متى ستستمع حماس لصوتهم؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها