تعمل أي حركة تحرر وطنية على تغيير واقع الشعب الذي تقوده نحو الحرية، وتبلغ عالم الثورة، بمعنى التغيير الجذري للواقع، عندما تزاوج فكر ومبادئ وأهداف التنظيم، مع السياسة الوطنية، وتربط مصيرها، بمصير الوطن (الأرض والشعب والقانون)، يمنح شمس الدنيا سببًا إضافيًا للإشراق. ويحسب لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، تطبيقها قانون الحياة الوطنية، حيث النمو والتقدم والتطور، وإبداع الأفكار الخلاقة، والأساليب المستمدة من الظروف والواقع، فلا ارتداد للخلف، ولا مراوحة أو تراجع، وإنما قدرة لا نهائية، مستلهمة من إرادة شعب معطاء بلا حدود، وهكذا يتعزز مسار حركة التحرر الوطنية بالتجارب العملية، المؤسسة على رؤى ونظريات وأفكار، مستخلصة من الواقع، غير تلك المستوردة.
لم تنفصل حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" عن الواقع الفلسطيني والعربي، لكنها لم تنجرف، ولم تتلاشَ بحكم التغييرات البيئية والسياسية، بل على العكس بقيت صامدة منذ 60 عامًا، رغم مؤامرات إقليمية ودولية، كان هدفها إسقاط فتح في الهاوية، عبر دفعها نحو منطقة تجمع الأجسام الايديولوجية المنفصلة عن زمن العقل الإنساني عمومًا، والعقل الوطني خصوصًا.
والسؤال الأبرز هنا: لماذا استهدفت فتح، وما زالت في دائرة الهدف حتى اللحظة؟ الجواب بكل بساطة: لأن هوية حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" فلسطينية، ولأن فلسطين (الوطن) هي الأول والآخر، في عقل وفكر وعمل وسلوك المناضل في الحركة، وإذا عرفنا من الذي يعمل منذ أكثر من مئة وعشرين عامًا على الأقل لمحو فلسطين، الوطن التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني، سندرك، ونعرف من يستهدف حركة "فتح" ولماذا، ولن يصعب علينا معرفة أدواتهم، التي استخدموها في مسيرة (الثورة حتى النصر) ويستخدمونها اليوم في مسيرة الحرية والاستقلال، فالمخطط والممول والمحرض واحد، حتى لو كان بعضهم من الناطقين بالضاد، تسندهم جوقة من صناع الفتن، والجعجعة، على منابر إعلام الخداع والتضليل، ومنابر الخطاب الديني المفرغ من مكارمه وقيمه الأخلاقية، فهؤلاء ما زالوا يمارسون هواية الانتحار يوميًا، حتى لو بدا للناظر أنهم أحياء.
صارحت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" الشعب، ولم يتخفَ قادتها، ولم يغادروا فلسطين طوعًا أو كرهًا، بعد أن عادوا إليها، ولم يقولوا بالسر، عكس ما يقولونه بالعلن، ولا يفعلون تحت الطاولة، ما يخجل المرء من فعله فوقها، فمسيرة قيادتها في دروب الواقعية والعقلانية السياسية معلنة، ومقررة في دورات المجلس الوطني الفلسطيني، لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتقدمت بمشاريعها الوطنية واستخلصت العبر من تجاربها، وسيدت مبدأ حرية الرأي والتعبير، ونبذت "الأنا" الشخصية والسياسية، ولفظت كل من عششت في دماغه، وبانت في سلوكه وأفعاله، المتناقضة مع شخصية المناضل، وكل من استمرأ الاسترزاق من مكاتب الخدمات الأمنية الدولية والإقليمية، ومن جماعات وتنظيمات، ترى الوطنية عدوًا.
فقادة ومناضلو حركة "فتح"، متحررون من عقلية "الجماعة فوق الوطن"، ومن عقلية "الحزب أو لا أحد" يفكرون ويعملون لتجسيم فكرة المواطن الإنسان، وتوطين الإنسانية، يغربلون النظريات لاختيار أفضلها، لأنهم دائمًا على عهد مع الشعب، وإيمان مطلق أن يستحق منهم العطاء بلا حدود وبلا منة.
أثبتت حركة التحرير الوطني الفلسطيني نقاء ضميرها الوطني، وصلابته ولمعانه، وبريقه بانتصار رئيسها وقائدها الرئيس محمود عباس "أبو مازن" لأمهات وزوجات وأبناء الشهداء، والأسرى وذويهم، فالصندوق الذي أسسه القائد الرئيس الشهيد ياسر عرفات، من أول مبلغ، جمع من تبرعات عربية لحركة فتح، بقي أمانة، لكنها تعاظمت ونمت، حتى صار الوفاء للشهداء والأسرى، معيارًا رئيسًا في ميزان أخلاق القيادة، وتمسكها بالقيم والثوابت الوطنية، أما القدس (عاصمة فلسطين الأبدية) فستبقى الأمانة الأعظم، التي بشرتنا جماهير "فتح"، ومعها جماهير فلسطين، خلال الأيام القريبة الماضية، أن قسم الإخلاص لفلسطين، الذي خطته "فتح قولاً وفعلاً، سيبقى منهجًا وطنيًا للعمل الصالح من أجل الوطن".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها