ما ثمة وسيلة إعلام، ولا فضائية، عربية كانت، أو أجنبية، خدمت السردية الإسرائيلية، سردية الاحتلال والعدوان، وروجت لها، أكثر من فضائية الفتنة والخديعة والضلال المبين، العائمة في بحر من التمويل الباذخ.
قلبت الواقع رأسًا على عقب، جعلت من العدوان الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة حربًا، ولكل حرب بطبيعة الحال، مزاعمها، ليؤلف لها أصحابها، ومشعلو نيرانها، مشروعية ممكنة، لا بل إن هذه الفضائية ساهمت في تأليف المشروعية لمصطلح الحرب كما تريده إسرائيل، وذلك من خلال نقل الخطاب الإسرائيلي، السياسي والعسكري كاملاً، من على شاشتها، بنقل وقائع المؤتمرات الصحفية، سواء لرئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" أو لوزير جيش الاحتلال، أو للناطق العسكري باسم هذا الجيش.
وفي المقابل صورت هذه الفضائية حركة "حماس" بصواريخها العبثية، وقذائف الياسين المتواضعة، قوة عظمى، صورت القطاع المنكوب دولة، واستعرضت ببيانات الناطق الحمساوي الملثم، والمحلل العسكري فعاليات "حماس" الحربية على خرائط افتراضية، وكأنها حرب سجال بين الطرفين وحرب السجال تعني معادلة القوى بين طرفيها، وهو ما لم يكن واقعًا، ولا حقيقيًا، ولن يكون كذلك، ولا بأي شكل من الأشكال.
وبنفس البوق، تنفخ هذه الفضائية، وخدمة للسردية الإسرائيلية، بصورة الخارجين عن القانون في مخيم جنين، تجعلهم أرباب مقاومة أصليين. والحقيقة في هذا الإطار، كأنها تحضرهم والمخيم للمجزرة، على يد قوات الاحتلال، التي ارتكبت أبشع المجازر، وأكثرها وحشية، في قطاع غزة بذريعة ملاحقتها للمقاومين، الذين كانوا هناك، أكثر عدة وعتادا.
وفي إطار الخدمة ذاتها تحرض هذه الفضائية على السلطة الوطنية، وأجهزتها الأمنية، وتشكك بحملتها لوأد حال الفوضى والفلتان، الحال التي تسعى إسرائيل وراءها، لتدمير السلطة الوطنية، وضمان تحقيق الضم التوسعي الاستيطاني للضفة الفلسطينية المحتلة.
لن نتجاهل بكل تأكيد، أن مراسلي هذه الفضائية، في الضفة، وقطاع غزة، وقد استشهد العديد منهم، كانوا على قدر المسؤولية المهنية، والوطنية، والأخلاقية، فالأرض المحروقة التي يقفون فوقها، هي أرضهم، وشعبها شعبهم، والضحايا الشهداء من أهاليهم، وحتى من عوائلهم، هؤلاء بتغطياتهم الشجاعة لمجريات العدوان الإسرائيلي الدموي، من جعل لهذه الفضائية مشاهدات واسعة، تستغلها هذه الفضائية كتحصيل حاصل، لتواصل خدمتها للسردية الإسرائيلية، هؤلاء شهداء الإعلام الفلسطيني، وقد سجلتهم نقابة الصحافيين الفلسطينيين في سجل فرسانها.
لن نخطئ الأمانة الصحفية، ولا النزاهة المهنية، ولا المسؤولية الأخلاقية، في كل هذا الموضوع، لكن لا بد دائمًا من وضع النقاط على حروفها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها