بقلم: حسين نظير السنوار

أصبح الحصول على المياه أحد أهم أولويات المواطنين والنازحين في قطاع غزة في ظل حالة التهجير والنزوح والبرد القارس، وبما أن غياب الشمس لساعات وربما لأيام متتالية يحرمهم من الحصول عليها لعدم تمكن مشغلي آبار المياه التي تعمل بالوقود وبالطاقة الشمسية من تشغيلها وتلبية احتياجاتهم.

يواجه المواطنون في قطاع غزة صعوبة ومشقة في الحصول على المياه، إذ ينتظرون في طوابير تحت المطر وفي ظل البرد والازدحام ساعات طويلة من أجل العودة إلى ذويهم وأبنائهم بجالونات من المياه تسد رمق عطشهم المجبرين قسرًا عليه منذ أكثر من 14 شهرًا من العدوان.

غير أن انتظارهم الطويل قد لا يعني عودتهم بمياه نظيفة، حيث أنه في كثير من الأوقات يحصلون على مياه غير صالحة للشرب، والتي من الممكن أن تؤدي إلى أمراض بعد استهلاكها لفترات طويلة.

يقول المواطن مصطفى أبو موسى: نخرج فجرًا من خيامنا وفي ظل البرد القارس، ونحن نحمل الجالونات والأواني حتى نقف في طوابير على طول مد البصر، وننتظر وصول شاحنة المياه التي تأتي في ساعات الصباح الباكر، وحتى أن الوقوف في هذه الطوابير لا يعني أنك ستحصل على المياه، فمن الممكن أن تعود فارغ اليدين.

أما المواطن يزيد مهنا، يقول: يومنا أصبح من بدايته حتى نهايته هو في السعي للحصول على المياه مرة، والبحث عن الدقيق ومن ثم الذهاب إلى مخابز "أفران الطين" مرة أخرى، وفي حال عدم تمكن الواحد منا من الحصول على المياه من الشاحنات التي تأتي باكرًا فإنه يضطر للانتظار لساعات ما بعد الظهر للحصول على مياه الآبار التي تعمل بالطاقة الشمسية، وهذا مرهق من الناحية البدنية والفكرية لأن تلك الآبار لا تعمل في وقت وجود الغيوم وغياب الشمس.

وأضاف: أنه في هذه الأيام ولغياب الشمس وقلة ساعات تشغيل الآبار على الطاقة الشمسية فإننا نُرغم على شراء المياه بأسعار عالية بحجة أنها تتوفر بصعوبة لقيام المزود بتشغيل البئر على الوقود أو غاز الطهي مرتفع الثمن والشحيح في الأسواق بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر، مشيرًا إلى أنهم يشترون كوب المياه (1000 لتر) بسعر يزيد عن الثلاثين شيقل، ويكون بشق الأنفس من كثرة الطلب وقلة المياه المتوفرة.

ويجد الطفل أسامة سلطان صعوبة في الحصول على المياه عندما يتجمهر الناس حول الخراطيم وشاحنات المياه، إذ لا يتمكن من مزاحمة الكبار، ما يحرمه من التزود بالمياه.

وقال: أضطر في كثير من الأحيان للمشي لمسافات طويلة حتى أحصل على مياه توزع مجانًا على النازحين، وفي بعض الأحيان يُشفق عليّ بعض المارة في الشارع ويحملون جالوناتي ويوصلونني إلى خيمة عائلتي وحينها أكون سعيدًا لتمكني من توفير المياه.

فيما يقول الحاج أبو سمير: كنا في السابق ننتظر الشتاء ونشتاق للموسم الشتوي أكثر من غيره ولكن الآن ولشدة ما رأينا من مشقة وتعب ونزوح وتهجير أصبحنا نبغض الشتاء وموسم المطر لما يسببه لنا من معاناة ويغرق خيامنا ويقتحم برده أجسامنا دون إذن ونحن نقف عاجزين أمام هذا الضيف الثقيل الذي كان جميلاً يومًا ما.

ويضيف: أشفق على أولادي وأحفادي وهم يتسابقون للوقوف في طوابير الذل والمهانة، طوابير المياه كي يقوموا بتوفير ما تيسير لهم من مياه، حتى نتمكن من استخدامه في يومنا، كنت أتمنى أن تُقبض روحي ولا أرى وأعيش حياة الضنك التي خلفتها الحرب وعشنا أيامها السوداء ولا زلنا.

أما المواطنة إم سامي، فتقول: أذهب يوميًا أنا وأولادي وزوجي لنقف في طوابير تعبئة المياه وهذا بالفعل شيء مرهق ولكن حتى نتمكن من توفير المياه التي نحتاجها، ونذهب جميعًا لمكان تعبئة المياه خوفًا من عدم التعبئة والحصول على الكمية التي نحتاج إليها، ونكون كلنا في المكان حتى لو لم يحالف أحدنا الحصول على المياه يكون الآخر قد تمكن وبذلك نوفر احتياجنا اليومي وهذا روتين نعيشه منذ بداية الحرب.

أما مشرف أحد آبار المياه محمد أبو عنتر فيقول: كنا نزود المواطنين في منطقة المواصي قبل الحرب باشتراك شهري ونقوم بجباية أسعار رمزية لتوفر الكهرباء والطاقة البديلة والسولار حينها، أما اليوم فقد اختلفت كل المعايير في تزويد المياه فقد زادت أعداد المواطنين والنازحين في المنطقة بعشرات الأضعاف وبالتالي زادت كمية المياه المستخرجة من الأرض وارتفعت تكلفتها وأصبحت لا تكفي للجميع ما أجبرنا على عمل جدول للمناطق التي تزود بالمياه ويكون بجباية يومية.

ويضيف: ارتفاع تكلفة استخراج المياه جاءت بسبب ارتفاع أسعار الوقود وغاز الطهي الذي منع الاحتلال دخوله منذ بداية الحرب، ما اضطر البعض للجوء للسوق السوداء والطاقة البديلة، إضافة لارتفاع أسعار ألواح الطاقة الشمسية عشرات أضعاف سعرها الأصلي، الأمر الذي أجبرنا على رفع سعر المياه وأصبحنا نبيعها بالكوب أو الساعة يوميًا بدلًا من الاشتراك الشهري وذلك يعود لعدم استقرار النازحين في مكان واحد لذلك نجبر على الجباية اليومية.

من جانبه، قال محمد الخطيب صاحب شاحنة لبيع المياه: إنه يحصل على المياه بصعوبة في ظل الغيوم والأمطار وعدم عمل المحطات على الطاقة الشمسية، وانقطاع الوقود، مشيرًا إلى أن سعر الوقود في السوق السوداء مرتفع جدًا حيث يصل سعر لتر السولار أكثر من 70 شيقل، وسعر كيلو الغاز من 45 – 50 شيقل وبالكاد يمكن توفيره، إضافة إلى أنهم يجبروا على الوقوف بداية المخيم للتخفيف عن النازحين.

وأضاف: كنا في السابق نبيع كوب المياه العذبة للمستهلك واصل لخزانه بسعر من 20 – 25 شيقل حسب المنطقة وكمية التي يريدها المستهلك، وحسب استهلاك الشاحنة للسولار في الطريق أما اليوم فقد وصل سعر الكوب الواحد لأكثر من 200 شيقل وهذا بحد ذاته مرهق ومستنزف للمواطنين.

وتابع: أذهب إلى محطة تحلية المياه لتعبئة خزان الشاحنة ومن ثم أعود إلى مدخل المخيم ومن يريد التزود بالمياه يأتي ويشتري مياه معقمة ونقية، ويكون ذلك بسعر معقول لحد ما لأنني لو أردت الدخول في الشوارع والأزقة فإن ذلك يكون مكلف ماديًا ويرفع سعر المياه على المستهلك فأقوم ببيع جالون 20 لتر بسعر 4 شيقل، وفي حال الدخول للمخيمات من الداخل من الممكن أن يصل سعره لـ 5 – 6 شيقل وهذا يكون مكلف على المواطنين الذي يعيشون ظروفًا مادية غاية في الصعوبة.

يُذكر أن قطاع غزة يعاني منذ سنوات طويلة من أزمة مياه خانقة، حيث تقول مؤسسات مهتمة بالمياه إن السكان قبل الحرب كانوا لا يحصلون إلا على قرابة 35% من احتياجاتهم الحقيقية للمياه.

ويعاني سكان قطاع غزة من شح مياه الشرب والاستخدام ما يجعلهم يضطرون في كثير من الأحيان لاستخدام مياه مالحة في الغسيل والاستحمام والتنظيف، وهو ما يشكل مخاطر صحية كبيرة على الغزيين.

وتشير مصادر محلية إلى أن أكثر 700 ألف مواطن ونازح في مدينة دير البلح وحدها معرضون لمخاطر صحية بسبب انقطاع المياه، وتؤكد أن نحو 700 بئر توقفت عن العمل بسبب استهدافها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الجارية.

وأشارت المصادر إلى أن قوات الاحتلال دمرت نحو 126 آلية لخدمة المياه والصرف الصحي في محافظة غزة، أي ما يعادل 80% من الاليات المتعلقة بجمع النفايات ومعالجة الصرف الصحي وخدمات المياه، كما دمر آلاف الآبار وغواطس المياه في محافظة خان يونس وشبكات المياه الرئيسية والفرعية في كل المناطق التي اجتاحتها.

وبحسب تقارير رسمية، فإن الخزّان الجوفي يعتبر المصدر شبه الوحيد الذي تعتمد عليه غالبية سكان القطاع في الحصول على قرابة 94% من احتياجهم الكلي من المياه.

بينما تقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في بيان لها: إن نحو 67% من مرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية قد دمرت أو تضررت بسبب الحرب الإسرائيلية، مؤكدة أن عدم توفر المياه الكافية يهدد حياة الناس في قطاع غزة.

يشار إلى أن قطاع غزة يعيش فوق بحيرة من المياه الجوفية ولكن سبب الاحتلال وممارساته غير القانونية يحرم سكانه من الحصول على المياه التي تسرق إسرائيل جزءًا كبيرًا منها عبر خطوط أرضية وتحرم أصحابها من استخراجها واستخدامها.